17 nov 2012

الصداقة الحقيقية وكيف نجدها



الصداقة
هل هناك صداقة حقيقية؟
سؤال لطالما راود كثيرا من شبابنا اليوم ... الصداقة في حد ذاتها علاقة قوية جدا، ونزيهة جدا،ومهمة جدا، وحروفها من نفس مادة الصدق .. وأول مثل لدينا في الإسلام هو أبوبكر الصديق رضى الله عنه...
{ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ }الحجرات.
فالإنسان محتاج في حياته إلى من يحتويه ويحتضنه في بيته ، ثم في خارج بيته هو في حاجة إلى من يصدقه ويصادقه، يأمنه على سره، ويشاوره في أمره ويشدد به أزره..
وهذا أول مثل حي قام به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .. فكانت السيدة خديجه هي حضنه وحصنه ودفئه وحنانه، رضي الله عنها وأرضاها، أما خارج البيت فكان الصديق رضي الله عنه، مثال الرجولة والشهامة والإخلاص والمحبة والود والكرم....
في مستهل حياتي ، عندما كنت في العشرينات من عمري.. وربما أقل كثيرا.. كان همي الأول في الحياة أن أجد الإخلاص في طريق حياتي التى كانت مبهمة حينئذ... وظل هذا الشعور في نفسي لسنوات طويلة وكان هو الدافع وراء كل محاولة للبحث عن الإخلاص في أية صورة كان...
ثم كلما تعمقت في الحياة وتدبرت أحوال المخلوقات من جماد ونبات وحيوان وبشر، وجدت أن الإخلاص ليس سلعة تشترى، وأيضا ليس عادة تكتسب، على الرغم من أن الإنسان ممكن أن يعتاد الإخلاص، ولكن لكي يكون متأصلا فيه عليه أن ينزع من نفسه كل ما يعوقه، لأن الإخلاص نور، ونور الله لا يهدى لعاصي.
أخواني في الله.. لا تتعجبوا إن قلت لكم أن الله تبارك وتعالى قد رضي لنا الإسلام دينا لأنه سبحانه يريد أن نكون أصدقاء بجد.. لأن الصداقة توحد بين وجهات النظر والأمزجة والأهداف... وتؤلف بين القلوب بسهولة فائقة، وتجمع جمعا ثانيا بين الإخوة .. فأخوك عندما يكون صديقك هو أفضل ما تحصل عليه من الدنيا، وصديقك عندما يكون أخاك هو كنز لا يجب أن تفرطر فيه ...
لذلك قال المولى عز وجل في محكم آياته : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) الحجرات }هكذا جمع الله بين المؤمنين بالإخوة.. فرب أخ لك لم تلده أمك، وفي هذه السورة نجد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول المولى تبارك وتعالى: { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ}، إذا رسول الله فينا، يأخذ بيدنا بسننه وبنصائحه وبسيرته الحسنة وهو قد أعطى أول مثل للصداقة والوفاء عندما جاءه الإذن من ربه بالهجرة فذهب إلى صديقه أبو بكر رضي الله عنه.
لقد حظى ابو بكر الصديق بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصداقته وأخوته وإخلاصه، كذلك ابو بكر ضرب لنا مثلا حيا سطره التاريخ ونزل به قرآنا يتلى حتى يوم القيامة:
 إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) التوبة
قال تبارك وتعالى :
 يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13).الحجرات،
 هنا يحثنا الله سبحانه وتعالى على التعارف، ولكنه يقول لنا أن أكرمنا عند الله هو أتقانا، هو أكثرنا تقوى، وكأنه سبحانه يقول لنا لا تصادق ولا تصاحب ولا تخالل إلا تقي، لكي تصل معه إلى درجة أن تكون كريما عند الله مكرما بين خلقه...
وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ . الأعراف
أحبائي في الله .. لقد وجدت كل ذلك في واقع الحياة التى نعيشها... في مختلف أنحائها وأقرانها ... لم أجد أصدق ولا أخلص من المؤمن التقي، الذي عرف التقوى، فالتقوى لباس جميل فضفاض، ذو رائحة عطرة جميلة وهادئة، وصاحبها تراه منيرا مستنيرا تأمن جانبه، ولا ينصحك إلا بما هو طيب من القول والعمل، وإذا كنت في حاجة سارع إليك دون أن تطلبه، وهذه هي من أهم صفات الصديق المخلص.
الآن يبدر إلى الذهن سؤال جد خطير، كيف نجد هذا الصديق التقي المخلص؟
ربما كانت الإجابة في اللقاء القادم إن شاء الله .... رغم إنني أعرف جيدا أن معظمنا يعرف الإجابة، ولكن هو سر الوصول وسحر البيان من كتاب الله .
إلى لقاء قريب إن شاء ربي وقدر لنا اللقاء.
اللهم أجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واجعلنا نشعر بعطر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوبنا فأنت سبحان الذي قلت : { { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ } اللهم جدد الإيمان في قلوبنا في هذا العام الهجري الجديد، واجعل هجرتنا إليك وحدك إبتغاء مرضاتك، واجعلنا نهجر كل ما يعوق طريق تقدمنا ورضاك عنا... وأعيننا الله على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.