القلب الرحيم هو قلب
ينعم بالمودة والرحمة
فَبِمَا
رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ
لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ
فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ (159)عمران
تابع
سلسلة مقالات المودة والرحمة وأقوال علماءنا الكرام فيها.
الأربعاء
26 يونيو.
وكأن
رحمة الله لا ينعم بها إلا من كان لينا رحيما عفوا وكريما ويتمتع بقدرة فائقة على
العفو عن الناس، من كان يريد أن تعود المودة والرحمة إلى بيته فليترك بل فلينزع
الفظاظة من قلبه، وليدرب نفسه على العفو عن الناس، خاصة أهل بيته، زوجته أو
زوجها...
وفي
تفسير رائع ودقيق لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي نعيش لحظات مع مقدمة تفسيره
لهذه الآية الكريمة :
أيها الإخوة
الكرام ، لابد من تمهيد لهذه الآية ، النبي عليه الصلاة والسلام بين للناس ما نزل إليه
، الأحكام الكلية التي جاءت في القرآن الكريم بينها النبي عليه الصلاة و السلام و فصلها،
هذه سنته ، من سنته أقواله ، ومن سنته أفعاله ، و من سنته إقراره ، و لكن كيف عامل
أصحابه ؟ كيف عامل من حوله ؟ كيف دعا إلى الله ؟ و كيف كان سلوك النبي صلى الله
عليه وسلم مع من دعاهم إلى الله ؟ هذه سنة تربوية ، أي عالم من بعده تبعه في سنته التربوية
نجح و أفلح ، و أي داعية إلى الله خالف سنته التربوية أثار حوله جدلاً كثيراً ، إذاً
الدعاة إلى الله في شتى أقطار المسلمين ينجحون و يتفوقون و يفلحون إذا اتبعوا سنة النبي
التربوية ، كيف دعا أصحابه ، وكيف عاملهم ؟ فكل داعية لا يفلح ، ولا ينجح ، ولا
يلتف الناس حوله إلا إذا قلد النبي في أصول دعوته ، فقضية الأحكام الشرعية شيء آخر
، قضية بيان النبي عليه الصلاة والسلام لكليات القرآن ، قال تعالى :
﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ ( النحل : 44)
شيء آخر ، لكن كيف عاملهم ؟ هل منعهم أن يسألوا ، هل صادر شخصياتهم ،
هل استعلى عليهم ، هل سخرهم لصالحه ، كيف عاملهم ؟ هذه الآية أيها الإخوة إحدى الآيات
التي تبين أصول الدعوة إلى الله ، يقول الله عز وجل :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
***
الآن
وقد اتضح لنا شيئا في غاية الأهمية، وهو أن الرجل يجب أن يكون داعيا إلى الله في
بيته وخارجه، فإن كانت زوجته تجهل شيئا من دينها أو من سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيجب عليه أن يعلمها، وخير وسيلة هي أن تراه هو يطبق تلك السنة، فلابد
من أن يطبق ما جاء في الآية وهي الخطوات التالية وكذلك المرأة كتب الله عليها دور
في غاية الأهمية في دعوة أولادها إلى الله فجعلها حصن الأمان الذي يحمي الرجل
والأولاد من الإنحراف:
·
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ
لِنْتَ لَهُمْ } أن يتحرى رحمة ربه، إذا أنت فظا بطبعك فلن تنعم برحمة
الله كاملة حتى تفعل ما تستوجب به رحمة ربك، فيرحمك فتصبح لين القلب وليس فظا
غليظا، وهناك دعاء لرسول الله { اللَّهمَّ ! إنِّي أسألُك الثَّباتَ في الأمرِ ، والعزيمةَ على الرُّشدِ ، وأسألُك
موجِباتِ رحمتِك ، وعزائمَ مغفرتِك ، وأسألُك شُكرَ نعمتِك ، وحُسنَ عبادتِك ، وأسألُك
قلبًا سليمًا ، ولسانًا صادقًا ، وأسألُك من خيرِ ما تعلَمُ ، وأعوذُ بك من شرِّ ما
تعلَمُ ، وأستغفرُك لما تعلَمُ ؛ إنَّك أنت علَّامُ الغيوبِ}إسناده حسن صحيح.
·
{ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } أن تجمع أهل بيتك حولك على المحبة
والمودة والرحمة كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم،لابد من أن يكونوا
حولك، حول أحساسك بهم، وشعورك نحوهم كبارا وصغارا، هم في بالك دائما تقدم لهم أولا
قبل الطعام والشراب المودة والرحمة .. لذلك رحمك ربك، واحذر من القسوة عليهم فينزع
ربك رحمته ويحرمك منها ويرسل لك من لا يخافه ولا يرحمه.. وهذه مجربة، فكم من زوج أفترى
على زوجته ثم يخرج إلى الشارع فيجد من يكيل له ألوان العذاب. والجزاء من جنس
العمل، فإذا نظر إلى حرام، انتهك الناس حرمته.
·
{ فَاعْفُ عَنْهُمْ }يأمر الله تبارك وتعالى رسوله الكريم
صلى الله عليه وسلم وهو من هو، خاتم الأنبياء والرسل، سيد ولد آدم، إمام المرسلين،
الهادي الصادق الوعد الأمين الذي بعثه الله بالحق هدى ورحمة للعالمين صلى الله
عليه وسلم ، يأمره ربه أن يعفو عنهم، فوجب علينا نحن أن نعفو، لابد لنا من أن
نتعلم العفو، لأننا لو لم نفعل فتحنا بابا كبيرا لشياطين الإنس والجن، وهذه ممكن
أن يفكر فيها كل من عانى من المشاكل، فلو راجع شريط الأحداث لوجد أن سبب تفاقم
المشكلة الأساسي شيئان.. بداية أنه لم يعفو عمن أساء إليه.. ثانيا سمع أو سمح
بكلام الناس أقارب كانوا أم جيران.
·
{ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ }الآن بعد أن عفوت عنهم، ربما
أعتبروا ذلك ضعفا منك، أو هكذا ستوسوس لك نفسك وشيطانك، ولكن لكي تثبت لهم ولنفسك عكس
تلك الوسوسة الخبيثة والخسيسة، عليك أن تستغفر لهم الله وتدعو لهم بالهداية، وأن
يغفر الله لك ولهم وهذا ما فعله يوسف عليه السلام فقال:{ وَجَاءَ بِكُمْ
مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي
إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ }{لم ينفي عن نفسه نغز الشيطان } فإذا ما فعلت ذلك بصدق
وبقوة وبنية خالصة لله سيغفر الله لكم ويحول سيئاتكم حسنات.
·
{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ }الآن بعد أن ذهب كيد الشيطان وخسأ وصغر
وذهب عنكم مذموما مدحورا، وعاد إليكم الود والإنسجام والترابط والوصال وأصبحتم
بنعمة الله إخوانا، تستطيع أن تشاورهم في الأمر، أمر حياتك وحياتهم، كل أمر ذا
أهمية وذي بال، عليك أن تشاور أهلك قبل إتخاذ أي قرار، وكذلك أن تعيش آراءهم
ومناقشتها على أسس من المودة والرحمة وبهدوء كامل، والذي سيساعدك على هذا الهدوء
تسبيحك لله العلي العظيم، وليس هذا إلا تطبيقا حرفيا للآيات التى سبقت على آية
المودة والرحمة{ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ
(17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ
(18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي
الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ
مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ
خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ
مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) } سورة الروم.. فتسبيحكم لله يحي قلوبكم
ويحي نفوسكم ويحي الخير فيكم ويجعل ملائكة الرحمة يحفونكم ويستغفرون لكم
ويبشرونكم... وهذه بإذن الله تبارك وتعالى سنتكلم فيها في لقاءنا القادم إن شاء
الله.
·
وهنا نقطة في غاية الأهمية،
عندنا في مصر نجد الأزواج يضعون زوجاتهم في مقام عدم الفهم، أو عدم قدرتهن على
تفهم الأمر والرقي إلى مستوى مناقشته، ولهذا استسلمن الزوجات ليرضين غرور أزواجهن،
وهذا يقتل فيهن روح المشورة، ويعطل أمر الله في شاورهم في الأمر، لكن أنت وجب عليك
أن تشاورهم في الأمر، ومع الوقت سيشعرن بالمسئولية وستجد العجب من أمر الله في
إصلاحهن وإعطائهن الخير الكثير.
·
{ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ
عَلَى اللَّهِ }سنلاحظ هنا في هذه الآية أنها
خطوات، كل خطوة تحملنا إلى التى بعدها، وكأننا في كلية العلوم والتربية، فالآن
وبعد أن أخذت رأيهم وشاورتهم في الأمر، يقول لك ربك توكل على ولا تخف، فإن كان
هناك خطأ ما فسيصححه ربك، لأنه سبحانه وتعالى يحب المتوكلين، { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ }، وهكذا تجد نفسك وأسرتك وقد أنعم الله عليكم بحبه،
ورعايته ومودته ورحمته الخاصة بالمؤمنين.
فتصبح حياتكما نموذجية، وتعيشوا في ظل الآية الكريمة التي تقول:
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا
تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) فصلت.
وهذه
الآية الكريمة سنعيش معها في لقاءنا القادم ومع تفسير الدكتور النابلسي وربما الشيخ
الشعراوي رحمه الله، فلا تغيبوا عنا فإن الذي جمعنا وإياكم كلمات الله تبارك
وتعالى والحب فيه والإنضمام إلى مائدته واتباع خاتم أنبياءه صلى الله عليه وسلم
...
وأريد
أن نجتمع زي زمان وكل واحد يحكي لنا تجربته مع الآيات الكريمة لكي نستفيد منها
كلنا، نمر بزمن فتنة صعبة جدا، ولن ينجو منها إلا من تمسك بدينه ولبى نداء الرحمن
ووصاياه، التى خصصها لنا أهل هذا العصر، بعد أن لوث المتشككين سمعة كثير من
علماءنا الكرام والذي هم ورثة الأنبياء.
ليتنا
نجتمع مرة ثانية على حب الله ورسوله ونكون بحق أخوة مؤمنين متعاطفين متماسكين
متناصحين متحابين في الله العلي العظيم حتى ننعم برحمته تبارك وتعالى.