( 3 ) رمضان
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) الأعراف؟
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
هنا يقول لك ربك خذ العفو.. أمر من الله العلي العظيم خذ.. إنه سبحانه لا يأمرك بأن تعطي شيئا من عندك حتى تتكاسل أو تبخل أو يغلبك طبعك.. إنه سبحانه وتعالى يقول لك خذ العفو، فكيف لا تأخذه؟ طبعا لن تستطيع أخذ العفو وقلبك مليئ بما اعطاه إياك شياطين الإنس والجن..
إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ
الخمر يذهب بعقل الإنسان، والميسر يجعلك تشعر أن مغبون وخاسر فمهما كسبت من مال انت خاسر، تخسر وقتك وجهدك وراحتك النفسية، وعندما ننظر إلى طبيعة المشاكل بيننا وبين الناس نجد أن أساسها كلمة تحمل فكرة وعزم ونية وقد عبرت عن عداوة من الشخص تجاه الآخرين{ مثل النميمة والغيبة والإتهام سواء كان باطلا أم لا}.. والعدواة والبغضاء شعور يسكن في القلب ينمو ويزدهر في كل مرة نرى فيها من نكره..
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)
أرأيت كيف أن الكلمة هي مصدر سعادتك أو شقاءك، وقد دربنا عقولنا وقلوبنا في نادي العضلات الإيمانية على الإستغفار والتسبيح والإنفاق في سبيل الله وصلة الرحم والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استطعنا بحول الله وفضله ورحمته أن نغير حياتنا.. وأن نفهم أننا عندما نرحم الناس يرحمنا ربنا، وإننا عندما نغفر لهم يغفر لنا ربنا، وكل كلمة نستعملها في مجال الرحمة والتسبيح والإستغفار هي كلمات طيبة طاهرة تصبح بإذن الله كشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء.. فعليكم بالإستغفار والتسبيح والصدقات وصلة الرحم ثم اجعلوا من صلاتكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم محياكم وسلواكم وكهفكم الذي تأوون إليه من الفتن..
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
إذا فُرًغت قلبك تماما من كل ما هو سلبي ويغضب عليك ربك، فستجد نفسك تلقائيا وقد أخذت العفو فتأمر بالعرف.. لأنك رأيته وعشته وعرفته بعد أن أزلت الغمامة من على عينيك.. والعرف هو كل ما يتعارف عليه من صالح الأمور عند جماعة المسلمين .
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)
الجاهل ليس من لا يعرف الشيء.. ولكن الجاهل هو الذي عنده معلومة تخالف الواقع، وتخالف الحقائق الكونية، هذا هو الجاهل، فعندما يأمرك ربك بأن تعرض عن الجاهلين.. هذا معناه والله أعلى وأعلم أن تعرض عن كل من يجهل العفو لأنه لم يأخذه وإنما أخذ من الشيطان ما يوافق هواه...وهنا لدينا مجموعة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التى يربينا فيها ويعملنا كيف نتعايش مع الآخر في ود ومحبة واحترام وتبادل الخبرات والنصائح.. وكل هذه هي تربية للقلوب فكلما زاد ذكرنا لله والعمل بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كلما زاد النور في قلوبنا وكلما رأينا الحقائق بعقولنا، وفي ذلك قربات لنا إلى العلي العظيم:
(( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ))

[البغوي في شرح السنة عن عبد الله بن عمرو]
وهذه والله لحكمة بالغة، أن يكون الدين هو مهجتك وهوايتك وراحة قلبك، تعيش به سعيد بين الناس تسعدهم ويسعدون بجوارك.وهذا لن يتأتى لك إلا إذا أحببت في الله وأبغضت في الله وغضبت في الله وتركت الغضب لنفسك فيرفعك ربك درجات ودرجات.
(( لا يؤمن العبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين وفي رواية:
(( ومن نفسه ))

عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عـَلَيْهِ وَسـَلَّمَ-: كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ, وَخَيْرُ الْخَطَّائينَ التَّوَّابُونَ)) [أخرجه الترمذي في سننه]
توبتك إلى الله تمحو الذنوب وتجعلك قادرا على العفو والمغفرة وكظم غيظك لأن ماتراهم من الناس هم عباد لله العلي العظيم فكيف يكرمك ربك وتهينهم؟ وكيف يرحمك ربك وتقسوا عليهم؟ فإن أنت تبت واستغفرت رأيت نفسك واحدا منهم يقف على باب الرحمن الرحيم الذي يرزقك ويرزقهم .
***

إذا أحب الله العبد نادى جبريل : إن الله يحب فلانا فأحببه ، فيحبه جبريل ، فينادي جبريلفيأهل السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض .{ صحيح البخاري.}
أرأيت إذا أحبك الله أحبتك الملائكة وعلى رأسهم جبريل عليه السلام، ثم يوضوع لك القبول في الأرض تكون مقبولا ومحبوبا من كل خلق الله الذين يصادفونك في حياتك. وتابع معنا لتعرف الأشياء التى لو فعلتها أحبك الله فيرزقك الحكمة والتأني والعفو والصفح عن الناس وتكون لين الجانب رحيما حبوبا ومحبوبا من خلق الله كلهم:
وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
إذا أنفقت في سبيل الله وأحسنت إلى الناس حصلت على محبة ربك فيطهر قلبك وتزداد رؤيتك للحقائق وتصبح كالمصباح بالنسبة لغيرك.
بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
الوفاء بالعهود هو دليل تقواك وخوفك من العزيز الحميد، ثم بعد ذلك هو مجلبة لمحبة الله لك ولكل من قلدك وسار على نهج محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم .
الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
وهذه ما نحن بصددها الآن، جاءت في الختام حتى لا ننسى ثلاثة أشياء في غاية الأهمية وهي مفاتيح للخير والعفو والمغفرة من العلي العظيم أولا الإنفاق في سبيل الله، ثانيا أن تكظم غيظك مهما كلف ذلك فهو من عزم الأمور وهو دليل قوة الشخصية وصلابة العزيمة وقوة الإيمان، ثالثا ستجد نفسك وقد سهل عليك أن تعفو عن النا مهما فعلوا بك.. فتصبح لديهم عزيزا مكرما ولا تكون إساءتهم لك إلا دليل نبلك وتفوقك ورقيك وحسن خلقك.
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)
أقسم بالله العلي العظيم أنك بمجرد أن تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم تذهب عنك الوسوسة في الحال ولا يبقى إلا ما في نفسك، ولكي تعرف وسوسة الشيطان من وسوسة نفسك، هذه سهلة جدا الشيطان يوسوس لك بالأمر فتستعيذ بالله منه فيخسأ ويعود فيوسوس لك بأمر آخر.. أما نفسك فهي توسوس لك بنفس الشيء حتى تحصل عليه { من تفسير الشعراوي رحمه الله }.
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201) الأعراف
بعد فترة من الزمن تكون قد تعودت فيها على تطبيق الآيات سالفة الذكر { خذ العفو} ستجد نفسك وقد زادت تقواك لله رب العالمين فلا يقترب منك الشيطان أبدا ولكن سيرسل لك طائف من الخيال، ولكنك يقظتك واتصالك بالله ستجعلك تعرف أنه وارد من الشيطان .. أو تجعلك تتذكر أن ربك مطلع عليك ويعلم ما تخفي وما تعلن فترى وتبصر الأمور على حقيقتها.هذا وما به من صواب فبتوفيق من الله العلي العظيم وما به من خطأ فمنى واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين .. أعلموا أن في الصيام فرصة عظيمة للتحلي بأخلاق الصيام في رمضان وبعده فتصبح تقيا طاهرا صفي النفس تقي القلب محببا ومحبوبا وتنعم برضا الرحمن ؟