13 ago 2015

كلمتك تحمل عنك مشاعرك ونواياك وتستقر في النهاية حيث يصنفها لك ربك

ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
[ البقرة 74 ]
إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللهِ ، لا يُلقي لها بالًا ، يرفعُ اللهُ بها درجاتٍ ، وإنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللهِ ، لا يُلقي لها بالًا ، يهوي بها في جهنَّمَ
الراوي : أبو هريرة المحدث : البخاري ،خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

الآن سنحاول ربط الكلمة بتلك الحالات القلبية في محاولة استخلاص ما نحتاجه لتكون حركتنا في الحياة حركة تأتي بأحسن النتائج.
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
إذا القلب معرض لأن يتحول من الرقة إلى القسوة، ومن القوة إلى الضعف، ومن الإيمان إلى الكفر، وبالتالي من الخشوع إلى الجحود.
وأيضا القلب معرض للتحول من القسوة إلى الرقة، ومن الضعف إلى القوة ومن الكفر إلى الإيمان وبالتالي من الجحود إلى الخشوع.
إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ
إذا الكلمة هي محور كل ذلك، هي التى بها نعرف موقفنا الحقيقي من كل تلك الحالات القلبية، فبها نعبر عما يجول في خاطرنا، وبها نعبر عن ما نشعر به، وبها نعبر عن ما نعتقده في كل الأمور.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
من أجل ذلك كان أول نداء من رب العالمين لعباده المؤمنين عن الكلمة، عن أدب قل ولا تقل، أدب اللسان، خلق الكلام.
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ
الكلمة الطيب معناها الأول أنها صادقة وقائلها ينعم قلبه بنور الإيمان، لذلك تجدها تعرف طريقها إلى القلوب المؤمنة فتسكنها وتعتقد فيها.
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ
والكلمة الخبيثة لا تخرج إلا من نفس خبيثة وقلب مغلق وربما قد مات من زمن بعيد.
والآن بعد أن عرفنا التقسيم الإلهي العظيم للكلمة .. فهيا بنا نعرف منتهاها.. أي سنتعرف الآن على مصير كلامنا .. كل كلمة نقولها سنرى الآن أين ستستقر:
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
***
وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا
إذا الكلمة الطيبة الصادقة التى تنبع من لسان يخاف الله ومن قلب خاشع لله ونفس مستسلمة للواحد القهار هي كلمة الله وهي العليا دائما، كلامنا عندما يكون صادقا فإنه يأخذ مكانة عليا في كل النفوس ولو كانت كافرة.
ومزايا كثيرة جدا جاءت في الكلمة … نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ
سبحانك ربي ما أعظمك … لقد ربط الله الكلمة الطيبة بالعزة .. فمن كان يريد العزة فإن العزة لله جميعا، فإن أردنا أن نعتصم بالعزيز الحميد فليكن كلامنا طيبا فإنه يصعد مباشرة إليه سبحانه… وبذلك نلتحق بموقف عزة الله وقدرته فيخشع الكل من حولنا. فسبحان من ذل كل شيء لكبرياءه، وسبحان من خضع كل شيء لقدرته وجبروته فهو ذو الملكوت والجبروت والعزة والكبرياء.
الآن نستطيع أن نراجع موقفنا في الآخرة بمعرفة الكلمة التى نتحدث بها .. هل هي طيبة؟  أم هي خليط من هذا وذاك ؟ ..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
آخر أمر من العزيز الحميد في هذا النداء يكمن في أن نسمع.. هذا لأن السمع هو مصدر الكلمة.. فالطفل يتكلم بما يسمع من أبويه.. والمؤمن يتكلم بما يسمع من كتاب الله وأوامره ونهيه.
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
[سورة البقرة 71]
ألم نفعل نحن ذلك؟ في كثير من الأحيان نتكلم بما نسمع من صياح الآخرين، صياحا  أجوف وقد يكون صراخا أو شعارا أو دعوة باطل…
ألم نتكلم نحن في كثير من الأحيان كما يتكلم أبطال الأفلام والمسلسلات ومشاهير السياسة؟
ألم نساهم في بعض الأحيان في نشر كلمة الباطل المزينة والتى يغتر بها من لم يدقق ويستعمل عقله الحر في استقبال الحقائق؟
لذلك ختم الله تبارك وتعالى الآية بقوله :
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
هم لا يعقلون… ولكننا نحن عندنا كتاب الله وكلامه وسنة نبيه وخاتم خلقه فلنستمع إلى كل ذلك إن أردنا أن نتكلم أو نتحرك في الحياة حركة ترضي ربنا الذي خلقنا.