أخلاق
القرآن كما جاءت في نداءات الرحمن لعباده الكرام.
النداء الأول
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا
وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)البقرة
أول الأخلاق التى بدأ بها
المولى عز وجل لتربية من به آمنوا... هو خلق اللسان، أمرنا امرا قاطعا وحازما
وحاسما ألا نقول كلمات أهل الكفر... لا تقولوا راعنا... كلمة عندنا نحن العرب ليس
بها عيب، ولكن الله امرنا أن لا نقولها لأنها في لغة الغير تحمل معاني ملتوية
وقبيحة.. لذلك أمر الله كل المؤمنين به أن لا يتكلموا بالكلمات التى استعملها
اعداء الدين لتسكن عقول الشباب..
ولكن علينا أن نستعمل
كلمات الإيمان، ونستعمل كلمات صريحة معناها الداخلي يوافق ظاهرها، هذه هي قمة
الأدب التى وجب على كل مسلم ان يتحلى بها تنفيذا لأوامر ربه. هذا النداء يعتبر
الباب الرئيسي الذي ندخل منه إلى مكارم الأخلاق، هو مفتاح كل خلق كريم، لأن الكلمة
لها قوة لا تعادلها قوة، وذلك نستخلصه من كلام رب العالمين عن قوة الكلمة
ومدى تأثيرها في حياة الناس:
أَلَمْ تَرَ
كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا
ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ
اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ
كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا
لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) (24)إبراهيم
ثم نستمر مع الآيات لنعرف مزيدا من آثار الكلمة
وقوتها الضاربة :
{ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ
وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ(27) }إبراهيم
آية أخرى: {{ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا }} البقرة.{{ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا }} النساء.
{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ
لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ
فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)} النساء.
وهذه آية عظيمة في
عطاءها لكل الآباء والأمهات، الذين يخافون على اولادهم من الضياع، إنها بمثابة
تأمين اجتماعي على الحياة، الحياة الصالحة التقية التى ترضي الرب والعبد، الكلمة
السديدة، كلمة محددة لا عوج فيها، تسد منافذ الشك، وتسد منافذ الشيطان، هذه هي اخلاق
المؤمن الحق.ولو أجرينا دراسة علمية على هذه الآية، سنجد في النهاية أن علينا أن
نمحو من عقولنا كل الكلمات التى جعلتنا نغوص في حضارة الغرب وننسلخ من لغتنا
العربية ولغة القرآن.
حديث:
-{ إن الرجل ليتكلم
بالكلمة من رضوان الله ، ما كان يظن أن تبلغ مابلغت ، يكتب الله له بها رضوانه إلى
يوم يلقاه ، و إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت
، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه}. المحدث: الألباني، وخلاصة حكمه : صحيح.
إن العبد ليتكلم بالكلمة
من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، و إن العبد ليتكلم بالكلمة
من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم.{ الراوي: أبو
هريرة المحدث: السيوطي خلاصة
حكم المحدث: صحيح }.
النداء الثاني
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
(153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ
أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ
إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ
عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) البقرة.
بعد أن اعددنا انفسنا
اخلاقيا بما جاء في النداء الأول، اصبحنا الآن جاهزين لكي نتلقى من مولانا المعية
الخاصة بمن اراد بهم ان يحملوا راية الإيمان،...
في النداء الأول حثنا على
أن نؤدب ألستنا، فإذا ما نجحنا في ذلك، عرف الناس فينا إلتزامنا بتعليمات ديننا،
هذا هو ما ينقصنا الآن نحن ابناء هذا العصر، لقد تعودت ألسنتنا الكلام كما يحلو
لنا، فلا احد يفكر أن يمحو من قاموس عقله كل الكلمات التى تحمل في طياتها
معنى خبيث وفي ظاهرها معنى لا بأس به..
إذا ما طبقنا هذا .. وهذه
المسألة في حد ذاتها تحتاج منا إلى وقت مجهود كبير، لهذا اعتقد والله اعلى واعلم
أن الله رزقنا في نداءه الثاني الطريقة المثلى التى بها نستطيع أن نغير ما
بأنفسنا، ونواجه كل ما يواجهنا من معضلات الحياة، وهذا بالإستعانة بالصبر والصلاة.
النداء الثالث:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ
كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا
حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ
بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ
عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(173) البقرة
بعد أن أدب الله فينا
ألستنا ووجهنا نبينا وقائدنا وأسوتنا{ صلى الله عليه وسلم} إلى المراد من الآية
الكريمة، وبعد أن منحنا الله سبحانه وتعالى ما نستطيع به تغيير أنفسنا إلى الأفضل
والأصلح بالصبر والصلاة،.. الآن يوجهنا إلى الطريقة المثلى لنعلوا ونسموا ونترفع
عن كل ما هو دنيئ، إنها تربية دينية ربانية تحملنا على جناحين من الخوف والرجاء
إلى مكارم الأخلاق، لأن الطعام الذي نأكله يؤثر في اخلاقنا، ويؤثر في مسار حياتنا،
فالذي يرتشي فقد أطعم نفسه وأهله من حرام... وهذا يجلب عليه من الإبتلاءات حتى يرجع
إلى ربه تائبا.
وهذا بأجماع علماء الغرب
الذين خرجوا علينا بأبحاث تدل على أن الطعام له تأثير سلبي وإيجابي في سلوك
الإنسان، أما عن السادة الأفاضل علمائنا الأجلاء قد تكلموا بما فيه الكفاية في
الطعام الحلال وتأثيره في حياة العبد... وفي هذا النداء عديد من الأخلاق الربانية
القرآنية الحميدة التى ترتفع وتسمو وترقي بالعبد المؤمن الحق.
النداء الرابع:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ
وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ
أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ
تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ
عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ
فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) البقرة.
بعد أن وطدتنا أنفسنا
وربيناها على ما جاء في نداءات ربنا الأول الذي فيه علمنا كيف نتكلم { وهذا معناه
الحقيقي هو كيف نفكر}، ثم علمنا أن نستعين على كل امور حياتنا من طاعة في تنفيذ
أوامر الله بالصبر والصلاة{ النداء الثاني }، ثم علمنا أن نأكل حلالا طيبا، وأن
نطعم أهلينا من حلال{ في النداء الثالث } ، بعد كذ ذلك أصبحنا مؤهلين لنتعامل مع
باقي فئات المجتمع ، في قضيية هي من أخطر قضايا المجتمع المصري،
لقد وضع الله قانونه
الأزلي وسنته التى لن تجد لها تبديلا أوتحويلا، سنة وقانونا كلما مر الزمن أكد على
شدة احتياجنا لتنفيذه.
النداء الخامس:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا
مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ
أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ
تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ
رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ
الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ
كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ
بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا
سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا
دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
(186)البقرة.
الركن الخامس الذي يضفي
علينا نعمة من أجل النعم، إن أي شرح لهذه الآية يقلل من قيمتها، هذه الآية الكريمة
يجب علينا أن نتعمق فيها، نعيشها بكل ما لدينا من فهم ومشاعر وأفئدة.
اللهم أصبغ علينا نعمك
كلها التى جاءت في نداءك لنا، واجعلنا لك شاكرين حامدين مسبحين ولا نعبد إلا إياك،
يارب العالمين كلنا عار إلا من كسوته، فاكسنا تقواك من الداخل والخارج..
يارب العالمين كلنا ضال
إلا من هديته، فاهدنا اللهم وآباءنا وأولادنا وحكامنا وكل من وليته أمرنا، يارب
العالمين لا تسلمنا لأعدانا بذنوبنا وردنا إليك ردا جميلا واهدنا وارحمنا، آمنا بك
ربا واحدا لا شريك لك في الملك، فلا إله غيرك في السموات والأرض، فأحينا بلا إله
إلا الله ، وأمتنا عليها ولقنا إياها عند الممات. آمين يارب العالمين ياأرحم
الراحمين والصلاة والسلام على من بعثته بالحق هدى ورحمة للعالمين صلى الله عليه
وسلم .
والحمد لله رب العالمين .