15 abr 2013

صبرك بالله هو دليل حبك ودليل إيمانك



النداء الثاني من العلي العظيم لعباده المؤمنين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
****
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) البقرة.
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين الذي بعثه الله فينا بالحق هدى ورحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم ...
بعد أن قطعنا شوطا طويلا في رحاب النداء الأول والذي علمنا فيه العزيز الحميد أن الكلمة التى نتفوه بها، تحدد مصيرنا، من غضب أو رضا، وعلمنا أن الكلام كله على أختلاف لغاته ولهجاته وجنسياته ينقسم إلي طيب وخبيث، وضرب لنا الرحمن مثلا للكلمة الطيبة التى هي كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وعرفنا أيضا أن الكلمة الخبيثة هي كشجرة خبيثة أجتثت من فوق الأرض ليس لها من قرار.
وعلمنا أيضا أنه سبحانه إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، ونستخلص من ذلك أنه يجب على كل من آمن بالله أن يصحح سريرته، ويصحح أفكاره، ويتقي الله فيما يقول أولا.. لأن الكلمة هي في الأصل فكرة تتحول إلى عزم والعزم يتحول إلى نية، والنية تتحول إلى عمل، والعمل إما صالح وإما طالح.
وعرفنا أيضا أن مصدر الكلام ، أو مصدر الأفكار لهما نفس المصير، فالكلمة الطيبة مصدرها طيب ومصبها طيب وهي من فضل الله علينا، والكلمة الخبيثة أو الفكرة الخبيثة، أو النية الخبيثة مصدرها خبيث، ومصبها خبيث وهي من الشيطان.
الآن وبعد أن عرفنا ولمسنا حلاوة الذكر والإستغفار، وبعد أن عشنا شهور طويلة مع التمرينات التى هذبت حياتنا وقربتنا من الله وعرفنا ذلك القرب من التغيرات التى طرأت على حياتنا، فكثير منا أصابته الأحزان بسبب المشاكل ولكنه عرف أن ما أصابه مما يسوءه فإنما يطهره الله به فشعر بالرضا بعد أن كان يسخط ويقول أنى هذا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
هذا هو النداء الثاني في كتاب الله، وضع فيه المولى عز وجل سر الإستقامة، وسر السعادة، وسر كبير جدا من أسرار القرآن  الكريم، فيه جمع الله بين الصبر والصلاة، وكلنا يعرف قدر الصلاة.. فإنها الفريضة الوحيدة التى فرضها الله تبارك وتعالى فيما فوق سبع سموات..
أستدعى إليها نبي الرحمة، وعاد محملا بأعظم هدية من العلي العظيم وهي الصلاة، وعظمة هذه الهدية الكبيرة والعظيمة هي من عظمة الهادي سبحانه وتعالى، فالهدية تقدر وتقيم بقيمة من يهديها، فهدية الملك ليست كهدية شخص عادي، والصلاة هي هدية ملك الملوك ذو الملكوت والجبروت والعزة والكبرياء لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنا نحن أتباعه...
وعن الصلاة تحدث كل علماء الإسلام لعظمها وأهميتها وثمار إقامتها وخطورة تركها، وهنا في هذا النداء جعل الله الصبر قبل الصلاة وجمع بينهما جمعا لايستطيع التفريق بينهما مخلوق من مخلوقات الله...
وهذا إن دل على شيئ إنما يدل على أهمية الصبر بالنسبة للصلاة وبالنسبة لنا نحن أهل هذا العصر، فلا زال عندي هذا الإحساس القوي بأن الله عز وجل قد ادخر لنا نداءاته بعد أن تاه معظم شباب المسلمين في متاهات الأفكار والمعلومات والفلسفات والمجادلات والإتهامات التى لم ينجو منها عالم ولا جاهل..
وعن الصبر حدثنا كل علماءنا الكرام، وكل منهم استخرج من أسراره ما استطاع وما يسره الله تبارك وتعالى له، ولازال هناك على مر العصور المقبلة اسرار متوارية في كلمات الرحمن الرحيم ..
وبمحاولتي الضيئلة أحاول جاهدا بعون الله وبفضله أن ألفت نظركم لأهمية الصبر في حياتنا، فكلنا ينظر إلى الصبر نظرة غير كاملة، وكلنا يخاف من الصبر، وكلنا يتوه في الصبر، فمنا من يخلط عدم حوله وقلة حيلته بالصبر، فتراه يعترض ويشكو ويتذمر وهو معتقدا أنه صابر...
سنبدأ بإذن الله وبفضله وبكرمه رحلتنا مع أسرار الصبر والصلاة، سنسبح سويا في بحر الأنوار، وسنغوص في أعماق الكلمات، لنستخرج ما ادخره لنا العزيز الرحيم من جواهر وكنوز وأسرار.
أدعو الله لي ولكم بالتوفيق، نحن في حاجة لأن نغير حياتنا ليغير الله ما بنا ليغير الله حالنا، ولو نجحنا في تغير تلك العادات السيئة في اسلوب كلامنا وتفكيرنا، سننجح حتما وبإذن الله في فهم الصبر والصلاة ..
لقد جمع الله تبارك وتعالى بين عظيمين، لا غنى لعاقل عنهما، فالصبر والصلاة نصل إلى معية الرحمن الرحيم العلي العظيم، مالك الملك، الذي يهب ملكه لمن يشاء بغير حساب، وينزع ملكه نزعا من كل طاغية جبار.
سنعيش أياما مع أخلاق القرآن في نداءات الرحمن .. فلا تتخلفوا عنا، فنحن بكم ومنكم، نريد أن نحقق سويا ما اختاره لنا ربنا من غاية، وبعث فينا نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ، الذي قال لنا عنه في محكم آياته:
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) التوبة
قال صلى الله عليه وسلم عن الصبر أنه أكبر عطاء، وأنه ضياء، كما قال صلى الله عليه وسلم ما أعطي أحد عطاء أوسع من الصبر..
معا سنكتشف هذا، وأنا على ثقة من أننا لو أخلصنا لله ديننا فسينعم علينا باستخراج اللؤلؤ والجواهر والكنوز لكي ننعم بها في حياتنا وننشر الدعوة بتصحيح مسار حياتنا...
اللقاء سيكون بإذن الله يوميا .. إن شاء الله.. وسأترك لحضراتكم الغوص معي في معاني الكلمات والبحث عن ما قصرت فيه أنا من أقوال العلماء الكرام.
فحتى ذلك الحين القريب بإذن الله أترككم في رحاب العلي العظيم ورعايته ومعيته ومع دعائي لكم بكل الخير واليمن والبركات.
والحمد لله رب العالمين .