25 oct 2015

إن لم نستقم على أمر الله فكل أفكارنا سلبية مظلمة وهي من الشيطان

إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ

إن لم نستقم على أمر الله

فكل أفكارنا سلبية مظلمة

وهي من الشيطان


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طيب الله يومكم وجمعكم وزادكم علما وهدى ورحمة وقربا ووصالا .. في الحقيقة أرى والله أعلى وأعلم أن غاية وجودنا في الحياة هي أن نتعرف على أنفسنا والقدرات الدفينة التى وضعها فينا العزيز القدير.. وأهمها العقل .. وأهم من العقل الفكر .. وأهم من الفكر الإدراك .. وأهم من الإدراك الفهم وأهم من الفهم العمل بما علمنا.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا .. اللهم انفعنا بما علمنا وعلمنا ما ينفعنا .. وزدنا علما وقربا وهدى وتقوى .. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة .. ونعوذ بك من غضبك والنار.. آمين
أما بعد

عندما نتدبر الآيات يفتح لنا ربنا أبوابا في الآفاق .. وكلما سرنا تقدما كلما ارتفعنا أكثر وأكثر.. وكلما ارتفعنا وعلونا كلما كانت رؤيتنا أوضح .. وهذا من فضل الله علينا وعلى سائر خلقه.
الآن سنعيش بعضا من العبر وبعضا من الحكمة في قصتنا اليوم .. فتابعونا رحمكم الله:

إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ
ومع أول وهلة نكتشف أن الإبتلاء يكون بالمنع وبالعطاء.. وكلاهما من الله لحكمة عظيمة بالغة ورحمة كبيرة لا نقدرها إلا إذا استسلمنا لله العلي العظيم فهو ولينا وخالقنا وولي نعمتنا وبيده كل أمور حياتنا وإليه المصير.
إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)
يصرمنها أي يحصدون ثمارها .. هم مجموعة من الشباب .. ورثوا جنة يكفينا لنعلم حجمها الحقيقي أن وصفها لنا ربنا بأنها جنة .. والأمر متروك لتصور كل منا للجنة .. حتى إذا جمعنا في كتاب كل تصوراتنا حينئذ سيصبح لدينا صورة كاملة عن حجم تلك الجنة..[ وهذا ما كنت أريد أن أقوم به معكم يوم الجمعة ] ولكن الخيرة فيما اختاره الله.

إذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18)
وهنا لنا وقفة أتمنى أن تشاركوني فيها .. فهذه اللقطة أو الصورة أو هذا الجانب من القصة نمر به في كل يوم وعند كل موقف أو قرار ..
عندما مات أبوهم .. ولدت في أذهانهم فكرة براقة .. وافقت هواهم.. وهنا لنا سؤال .. من أين جاءتهم هذه الفكرة ؟ وبطريقة أخرى نسأل من أين تأتينا الأفكار؟
هذه هي وقفتنا مع أنفسنا .. ومع كل فكرة تأتينا .. هم أخذوا الفكرة وأكلوها بنهم لأنها وافقت هواهم [ وهنا أذكركم ونفسي بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه وفقا لما جئت به )]..
هل تعرفون ما الحكمة في هذا الحديث؟
الحكمة التى أرادها لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعالج أنفسنا .. أن نروضها .. أن نجعلها ترى الخير في اتباع دين الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .. وهذا لن يتم إلا إذا كانت أفكارنا مستقاة من وحي الإيمان .. ومن هدي الرحمن .. ومن اتباع حكمة خاتم الأنبياء والرسل الذي بعثه ربنا بالحق هدى ورحمة للعالمين .. وأكرمنا وأنعم علينا أن نكون من أمته صلى الله عليه وسلم .. اللهم احشرنا في زمرته واسقنا من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا..
أحبتي في الله هذه النقطة .. نقطة مراجعة كل فكرة قبل أن نتبناها وقبل أن تسكن عقولنا سنعود إليها في كل درس ولقاء إن شاء الله .. لأن ربنا أخبرنا أنه سبحانه لن يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. وأنفسنا تتبنى الأفكار المزينة .. ذات البريق اللامع والآمال التى لها وميض كعود الثقاب سريعا ما يخبوا وينطفئ ..
فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)
وهنا هم ناموا على نية .. نية سيئة للغاية .. فيها خيانة لمسيرة أبوهم .. وفيها خيانة لله ولرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ..
لذلك أريد منكم أن تتخيلوا كيف وسوس لهم الشيطان وأقنعهم باتخاذ هذه النية .. تستطيعون أن تتعرفوا على أساليبه الحقيرة واللعينة من خلال حديثه مع آدم عليه السلام وزوجه..
هذا يحدث معنا في كل ثانية من عمرنا .. فالشيطان نعوذ بالله منه ومن ذريته لا يهدأ ولا يكل ولا يمل .. ولكنه يخسأ .. ويُصعق .. وندوسه بأقدامنا عندما نستعيذ بالله منه.

فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)
فأصبحت كالصريم .. أتذكر الدكتور عمرو خالد عندما صور لنا هذه القصة .. ورأينا كيف أصبحت كالصريم .. صخور صماء سوداء ليس بها ذرة من التراب أو الطين أو أي تربة صالحة للزراعة ..

وهنا نستخلص من كلمة الصريم كلمة أخرى من نفس الحروف .. وهي الصرامة .. أي العزم بشدة وبحزم وبقوة .. وهكذا يكون أمر الله دائما .. ولكنه مصاحبا بالرحمة وباللطف وبالمغفرة لأنه سبحانه الرحمن الرحيم وهو اللطيف الخبير وهو الغفور الودود...فالحمد لله رب العالمين.

فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23)

طبعا هنا ناموا واستيقظوا فرحين بنواياهم .. فرحين بجنتهم .. فرحين بقرارهم .. فرحين بما سيجنوه من مال ..

طبعا معشر الرجال وربما النساء أيضا يعرفون جيدا هذا المعنى .. ويرون بوضوح جوانب هذا المشهد العظيم [ فانطلقوا وهم يتخافتون ] يعني زي ما بنقول في مصر بيتنططوا من الفرح ..

أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)
وهنا أطلق لهم الله حبل أفكارهم .. وكانت النتيجة مزيدا من الأفكار المظلمة الشيطانية ..[ مش حا يشوفها مسكين النهارد] يالها من أفكار .. والنفس تنساق كالبهيمة التى يسحبها الجزار ليقطع الرأس وينثر الدم .. وكل ذلك يحدث مع الإنسان وهو فرح مسرور .. حتى يرى العذاب .
فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)
وهنا كانت المفاجأة .. مطلوب من حضراتكم أن تتخيلوا شيئين .. كيف كانت حالتهم النفسية عندما رأوا أحلامهم وقد تحولت إلى صخور صماء لا حياة فيها ؟ وكيف كانت حالة الشيطان اللعين؟
هم عرفوا فورا أنهم ضلوا .. وعرفوا وأدركوا على الفور أن ربهم حرمهم من نعم كثيرة جدا بظلمهم .. وباتباعهم خطوات الشيطان التى تتكون في فكرة تلوها فكرة تلوها أفكار .. وكلها في البداية منمقة منسقة ذات بريق وقاع مظلم يكمن فيه العذاب والضنق والكفر والشرك والعياذ بالله.

قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)
وهنا نرى بوضوح أن الله دائما أبدا يجعل النصيحة والموعظة دائما أمام بصر وسمع الإنسان .. فهذا أخاهم ذكرهم بأنه أعياه نصحهم وأمرهم بأن يستقيموا على أمر الله .. لأن التسبيح يأتي بعد الفريضة .. ويأتي تطوعا وتأدبا بعد أن نؤدي فريضتنا.. فهو لم يأمرهم فقد بالإستقامة ولكن كان يأمرهم وينصحهم بأن يعترفوا بفضل الله عليه فيحمدوه ويشكروه ويسبحوه .

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)

وهنا نرى هذه الصورة بوضوح عندما تتكرر في كل لحظة من لحظات حياتنا .. نراها بين الأصدقاء عندما يختلفوا .. فيلوم كل منهم الآخر .. ونراها بين الزوجين عندما يتعالى أحدهم على الآخر فيلوم وينقد ويقارن .. ونراها بين البشر في كل زمان ومكان .. عندما يتكبر بعضهم على الآخر.

  • فدعو النقد فإنه هدام
  • ودعو اللوم فإنه مهان
  • ودعو المقارنة فإنها قتل للنفس وللإطمئنان وتحطيم للآمال.



إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ

وهذا ما قد وعدنا ربنا فلمثل هذا فلنعمل جاهدين .. حامدين شاكرين .. ثم علينا بعد هذه القصة والتى قبلها أن نطهر عقولنا من الأفكار السلبية فهي شيطانية ..
كيف نعرف أن الفكرة سلبية أم إيجابية ؟

بمزيد من الورع .. وكثير من السجود .. وبإنفاق المال والجهد في سبيل الله .. وبقيام الليل .. وبذكر الله وتسبيحه ..
هل تذكرون هذه الآية الكريمة التى قلت لكم أنها ستصاحبنا حتى نهاية العمر ؟

اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ