بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أردت أن أدعوكم لتلبية أول نداء من العلي العظيم لعباده المؤمنين فهل
تشاركونا مائدة الرحمن لنتعلم كيف يكون حال لسان المؤمن والموحد بالله
والذي يعبد الله على مراد الله ... شاركونا ولكم أجركم عند ربكم
الكلمة الطيبة لا تسكن إلا القلب السليم، حينئذ يباركها الرحمن
{ 6 }
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) البقرة
***
ألم تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ
وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ
رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ
اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) إبرهيم.
بعد
أن عرفنا تصنيف الكلام كما وصفه لنا الرحمن بإنقسامه إلى طيب وخبيث، وضرب
لنا مثلا سبحانه بالشجرة الطيبة التى أصلها ثابت وفرعها في السماء ..
سنعيش اليوم مع بعض آيات الرحمن التى تعلمنا كيف ندير الحوار الناجح المهذب
مع الآخرين على اختلاف اجناسهم ومللهم ودرجات ثقافتهم، وكذلك درجة قرابتهم
منا..
وسنبدأ إن شاء الله بأحب الشخصيات إلينا جميعا، سيدنا أبراهيم، الذي سمانا المسلمين، عليه الصلاة والسلام..
له في كتاب الله نماذج قوية ونقية ومباركة من الحوار، حوارا مع أبيه، وآخر
مع ابنه الوحيد إسماعيل عليه الصلاة والسلام، وحوارا مع قومه، وآخرا مع
الطاغية النمرود، سأذكر لكم هنا ما تيسر، ثم عليكم أنتم متابعة بقية
الحوارات لكي نتعلم كيف نتكلم مع الناس على اختلاف شخصياتهم وثقافتهم
ومعتقداتهم...
وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) الصافات
إبراهيم
عليه السلام خليل الرحمن، أول مؤهلاته عند ربه أنه حافظ على أصله الطيب
المبارك، لم يخرج عن ملة نوح عليه السلام، لذلك ظل قلبه سليما نقيا بعيد عن
التلوث الفكري والعقائدي، فكان ذلك من أول مؤهلاته ليقبله ربه ويصطفيه..
إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
نتعلم
من هذه الآية الكريمة أنه لابد لنا لكي نعبد الله على مراد الله أن نحافظ
على أصل الإيمان فينا ونأخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كتاب
الله، وهذا بمنتهى البساطة معناه أن لا نحشو قلوبنا وعقولنا بتوافه الأمور،
والتى تظهر كلها في كلامنا الذي هو في الأصل أفكارنا، لأن الكلمة هي فينا
فكرة ونية وعقيدة وعزم، وهذا ما يسمونه بوجهات النظر..
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ(86)
القلب
عندما يكون مفرغا من كل توافه الأمور، فإنه يحيا بفطرة الله التى فطره
عليها، فيرى الحق حقا، لأن قلب الإنسان هو مصدر حياته الروحية والجسدية،
والعقل هو بمثابة العين بالنسبة للقلب، فأنت قل لي فيما يعمل عقلك أقل لك
كيف هو قلبك.. وهذا نراه واضحا فإن الذي يعيش حياته مستمدا افكاره من
الأفلام والمسلسلات والأقوال النابية والنظريات العقيمة.. هذا نراه يسبح في
دائرة مغلقة وهي أفكار الآخرين التى غذوه بها.
فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87)
سؤال
منطقي، عقلاني، فطري، يحرك البواعث الإيمانية في قلب الإنسان الذي سلم
عقله لغيره ليفكر له، ويحشوه بكل ما أراده من أفكار خبيثة فانتقلت من العقل
إلى القلب، والسؤال هنا ليوقظ قلوبهم وضميرهم وفطرتهم التى فطرهم الله
عليها
فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88)
عندما
رأى إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن قلوبهم مغلقة، أو مملؤة بكل ما هو
زائف وتافه مما قدمه لهم شياطينهم، فنظر إبراهيم عليه الصلاة والسلام نظرة
في النجوم، لعلهم ينتبهو إلى ما في السماء من عظمة الخلق، خاصة وكان فيهم
من يتطلع إلى النجوم، وينظر إليها، وكأني أرى إبراهيم عليه السلام يقول لهم
دعو مابكم من التراب وارقوا إلى جو السماء فإن بكم روحا ونورا قد أطفأتموه
فأظلمت عقولكم وقلوبكم وكذلك حياتكم..
وهكذا وجب علينا نحن أهل هذا العصر الذي تضاربت فيه الأقوال والأفعال
والأفكار علينا أن نرقي بنظرنا وعقولنا وقلوبنا إلى جو السماء.. فكلام رسول
الله صلى الله عليه وسلم هو من وحي السماء، وكتاب الله الذي هو نور وهدى
نزل به أمين السماء عليه السلام..
فأنت يامن اختلطت عليه الأمور عليك بالنظر في النجوم، فربما صادفتك آية من
آيات الرحمن فتعيد إلي قلبك النور،فإذا ما عاد إليك نور ربك رأيت البرهان
على آيات الرحمن، حينئذ ستفتفرق بين الحق والضلال، وهذه هي رسالتك في
الحياة الدنيا لتصل بما حققت وحصلت من الحقائق إلى ربك الكريم فيجازيك جنة
النعيم.
فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)
عندما
رأى إصرارهم على الضلال قال لقد سقمت كفركم وعماكم عن الحق، عندئذ ذهبوا
إلي شياطينهم، وتركوه وحده مع فكره وحسرته عليهم أن لا يستطيعو رؤية الحق،
وهذا هو حال كل من وعد وأخلف، وغش وسرق وارتشى، وكذب ولاوع وخدع، وكذلك كل
من جرى وراء فكر غيره من الناس، وكل من سلم عقله لغيره ودافع بإستماتة على
مايرى من الباطل... هذا هو حال أمتنا اليوم.. وليس ذلك إلا لأننا نتكلم
بكلام لا يرضى ربنا لأنه بعيد عن كل ماهو طيب من القول والعمل .
فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)
لو
كل واحد فينا راح وحطم أصنامه التى بناها بداخله لأستطاع أن يرى الحق حقا
ويتبعه، ولكننا لم نفعل فلا زلنا نعتقد في كلام فلان وعلان ونتبع القيل
والقال، نحن في حاجة لكي نحطم تلك الأصنام التى هي عبارة عن أفكار قدمتها
لنا شياطين الإنس والجن، فاعتنقناها وصدقناها وبنينا لها التماثيل
بداخلنا..
مثلا عيد الحب وعيد الأم وكلام بيكادلي وافعال فلانيلي... والعجيب العجاب
أننا ندافع عن تلك الأفكار والكلمات بإستماتة.. الآن يا أخي في الله قد
عرفت ما وجب عليه فعله، وهو تحطيم تلك الأصنام وتفريغ قلبك من الأفكار
وتعميره بكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا ما وقفت بين يدي
ربك كنت سليم القلب والعقل والنية والعزم.
فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95)
سينقلب
الناس كلهم ضدك عندما يروك تحاول التغيير وترك الضلال والعيش في رحاب
الرحمن، فلا تبتأس، فقط عليك أن تواجه نفسك وتغير ما بها من الضلال، فإذا
ماسألك أحد فقل أريد أن أعبد الله على مراد الله الذي بينه لنا في كتبه
وجاءت به الأنبياء.
وَاللَّهُ
خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا
فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ
الْأَسْفَلِينَ (98)
هنا أريد أن أقول كلمة حق،
وهي نصيحة واجبة، استخلصتها من فضيلة الدكتور محمد هدايا أكرمه الله
وعافاه، قال أن الإنسان يبتليه الله في كل لحظة، ومعنى هذا أن الله سيبتليك
ببعض المصاعب التى تطهرك مما قد اكتسبته من الدنيا وهو زائف وضال، وما هذا
إلا لتثبت لنفسك أنك على الحق فتزداد ثقة بنفسك ويقينا بالله وكتبه
وملائكته ورسله واليوم الآخر وقضاءه وقدره. وهذا هو الإيمان الحق. جعلنا
الله وإياكم ممن يستمعون الكلام فيتبعون أحسنه.
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) الصافات
لقد
فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما يجب على كل من آمن بالله فعله، إن
يذهب إلى ربه يستهديه ويستغفره، ويسترحمه، ويدعوه ويطلب منه سبحانه ما
يحتاج من الدنيا والآخرة..
في درسنا القادم إن شاء الله إن كان لي عمر في الدنيا سنتحدث عن إبراهيم
وكيف أدار أرقى أنواع الحوارات وأصدقها مع إبنه إسماعيل.. فلا تتخلفو عن
هذه السيرة العطرة التى من الله بها علينا هنا في منتدانا وفي جمعنا
المبارك إن شاء الله، فهذا الحوار فيه دروس للآباء والأبناء والحكام
والمحكومين.
رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ