6 nov 2012


ما هي العلاقة الحقيقية بين تقوى الله
 والحرية بكامل معناها ومفهومها عند البشر
فإن كل تقيا هو بالضرورة حر.. وليس كل حر بتقي.
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين الذي بعثه الله بالحق هدى ورحمة للعالمين
ما سوف أعرضه هو وجهة نظري الشخصية، ولا إلزم بها أحدا، وهي ليست تفسيرا أو تأويلا أو فتوى، ولكن ما دار بخاطري من خلال كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ....
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف" . رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح . وبما أن الحديث قد وجهه رسول الله إلى شاب مسلم فالتالي هو موجه لعامة شباب المسلمين. فهم الذين يحملون على عواتقهم النهوض بالمجتمع.
هذه دعوة صحيحة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل مسلم ليكون حرا مستقلا عن سائر الخلق، ويكتفي بحلال الله عن حرامه، ويغتني بالله عمن سواه... فلا يكون لأحد سلطان عليه إلا بالتقوى، أي أن يكون حرا متحررا من كل ما سوى الله ورسوله...
ويقول المولى تبارك وتعالى:
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) الكهف.
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ
بعد أن وضح لنا الحق سبحانه وتعالى كل المساوئ والآثار السيئة جدا المترتبة على عدم الإستقامة على دين الله، كل ذلك يدعو المؤمن الحق الذي يريد أن ينجى بنفسه من الضلال وغضب ربه، أن يحرر عقله وقلبه ونفسه من كل ما سوى الله، حتى من سؤال الغير، أو الإستعانة به، فلا يسأل إلا الله، ولا يستعين إلا بالله...
أما الآخرين بالنسبة له، فهم من يستفيدون من أخلاق دينه وإتباعه لرسوله، فهو يعطيهم من فضل إبتسامته، ومن فضل أخلاقه، ومن فضل تصرفاته الحكيمة والرزينة والمستوية على أمر الله، وبذلك يستفيد الآخرين من نفعه الذي نفع به نفسه أولا ثم من حوله ثانيا ثم المجتمع الذي يعيش فيه ثالثا، إيا كان هذا المجتمع، في وطنه أو في غربته..
فهنا يتضح لنا أن الله سبحانه وتعالى يريدك حرا محررا، ولكن تقيا نقيا طاهرا ذكيا نافعا  ومنتفعا، ولكن بغير عبودية إلا لله تبارك وتعالى.
لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا. الإسراء.
وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا.الكهف.
لا تجعل على نفسك سلطانا آخر، أيا كان هذا السلطان، فلا تطع من غفل عن ذكر الله، فقلبه قد مات، ولا خير فيه، وحتى لا نضيع هنا بين قوانين وعادات المجتمعات تعالوا بنا نرى بماذا أوصانا ربنا حتى نعلوا علوا كبيرا عن كل تلك الخزعبلات التى وقع فيها من ضل عن ذكر الله:
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ
1.             أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا.
2.             وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا.
3.             وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ.
4.             وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
5.             وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ.
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)
6.             وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ.
7.             وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا.
8.             وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى.
9.             وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا.
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)
10.         وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
وهذه هي خطوات التحرر الكامل من كل ما سوى الله... يأمر المولى تبارك وتعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن يقول لنا وصايا ربنا.. لنحرر أنفسنا وذلك بقوله تبارك وتعالى :{ قُلْ تَعَالَوْا }أي تعالوا إلى الله، أو تعالوا عما أنتم فيه من إسفاف ومعناة وأحزان ومتاهات وعادات وتقاليد تخرجكم عن تقوى الله والإستقامة على دينه.
 والعجيب في الأمر أننا عندما نعمل في شركة أو معمل أو دكان فإننا نطبق كل تعليمات صاحب العمل.. ولكننا نتجاهل وصايا ربنا... التى بها نتحرر من كل سلطان وننعم برضاه سبحانه وتعالى فننجو من العذاب، وذلك بدلا من أن نعمل بها ونوصي بها أولادنا.. ولكن لا نملك إلا أن نقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن أتبعنا ما سبق فقد حررنا أنفسنا من كل ما يعوق سبيل تقدمنا واستقرارنا وسعادتنا، وهكذا نعلوا بتصرفاتنا وبأخلاقنا عن مستوى الضلال والإسفاف، وهكذا كان المسلمون الأوائل، تجارا وعمالا ومهاجرين، فاتبعهم من اتبعهم لما رأوا فيهم الهدى والنور..
هذا ما أرى من علاقة بين الحرية والتقوى... نعم فإنهما مرتبطان عند كل مسلم ومؤمن وموحد بالله، فإن المؤمن الحق بفطرته يعلم جيدا أن الحرية لا بد من أن تكون منضبطة بالقيم والأخلاق التى يحترمها جميع الخلق، وإلا اصبحت كما نرى تسيب وانحطاط أخلاقي رهيب..
لذلك إن الحرية إذا إرتبطت بتقوى الله فقد أنضبطت وجعلت من صاحبها حرا محررا ومنيرا مستنيرا، يحذوا حذوه كل من أراد النجاة من الهلاك والضياع الخلقي..
وهكذا يذهب من آمن بالله إلى ربه حرا تقيا مهذبا مستقيما على أمر ربه، فيدخل فيمن قال الله تبارك وتعالى فيهم:{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }الأحقاف. الإستقامة على أمر الله تحررك من كل غذو لأفكارك ومشاعرك، وتخلصك من كل ما قذف به الآخرين من نفايات أخلاقهم وإنحلالهم، وكلمات عن الحرية ليس بها من الحقيقة إلا الضلال والإنحلال الخلقي والعقائدي..
من أجل هذا نرى أن العاقل الذي تدبر أمره ترك كل شيئ وراء ظهره وتخلص منه ثم دخل إلى الإسلام واتخذه دينا يدين به في حياته لما رأى النظافة والنقاهة وسلامة العقيدة والنجاة من الإنحلال والدنس. وهذا الشخص سيكون شاهدا بالحق على أمة الكفر.
وهكذا نرى أن الحرية عند الموحد بالله هي نفسها الحرية عند غيرهم ولكن حرية منضبطة، وقائمة على أحترام كل خلق الله والعيش معهم في سلام عادل ومحترم، وبعيدة كل البعد عن الإنحلال والإنحطاط الأخلاقي، حرية أساسها العدل والرحمة والإحترام المتبادل.. 

السكينة... المودة ... والرحمة
يرفع كل سقف على أربعة جدران ... إلا بيت الزوجية رفع أو أسس على ثلاثة جدران السكينة ، المودة ، والرحمة... أما الجدار الرابع من الله عز وجل ....
{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) } الروم
لو كل رجل وأمرأة بدأو حياتهم الزوجية على هذه الأسس الثلاثة ... بمعنى لو كانت المرأة هي سكن للرجل، وكان الرجل في المقابل ودودا ورحيماوقائم على كل احتياجاتها، لأصبحت بيوتهم وبيوت أولاده وأحفادهم  مثلا يحتذى به في السعادة الزوجية.
هذا لأن من يطبق  حدود الله ويتقي الله في نفسه وأولاده ويعامل الناس بخلق حسن، نور الله قلبه وحياته هو وكل من يتبعه من أهله....
وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
الحب هو عالم لا يستطيع مخلوق التحدث عنه أو الإخبار به معتمدا على تجربته الشخصية أو على ما درسه أو على ما سمعه ...
 حتى ولو اجتمع العالم كله بخبراءه وعلماءه ليتحدثوا عن الحب كما حدث حتى الآن فإننا مستحيل أن نجد تعريف صحيح عن الحب...
 لأن الحب هو سر من أسرار النفس البشرية ... وهو معروف عند البشر بالهوى... وإن أردت أن تعرف شيئا عنه فثق تماما أن الحب الحقيقي يختلف تماما عن كل ما سمعت وما قرات وما رأيت من تجارب الآخرين خاصة وإن إنتهى بما لا تتمنى...
لأن الحب هو غذاء الروح.. وغذاء الروح عند خالقها.. ولكننا كلما نهوى شيئ نعتقد أننا نحب...إن الذي يحدث بين الناس هو تبادل مشاعر وأمنيات، ولكن الحب الحقيقي قد جعل له الله قنواته المشروعة النقية الطاهرة والمتعارف عليها بين كل الأسر الطيبة.
إن روحك ونفسك وعقلك وجسدك في حاجة شديدة للحب... وقد سمح الله سبحانه وتعالى لكل البشر أن يسلكوا منفردين كل مسالك الحب ليجربوه، فهناك من أحب بعقله، وهناك من أحب بمشاعره الهادئة أو الجياشة أو الطائشة، وهناك من أشبع غرائزه باسم الحب، وهناك من أحب حبا حقيقيا...
لقد سمح الله بكل ذلك حتى يكتشف بني آدم أن الحب الحقيقي ليس هو ما قد وجدوه بعيدا عن الله ورسوله...
أنظر أخي في الله رحمك الله، إلى حب الأم الذي يزيد رغم كل الظروف والمصاعب ، التى تصل أحيانا إلى حد لا يتصوره عقل.. وهو مجرد مثل حي وضعه الله في قلوب الأمهات لنعرف شيئا عن الحب الحقيقي..
 ولكي نعرف أكثر عن الحب،  جاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقول لنا ماهو الحب... فقال لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه... وهذا معناه بمنتهى البساطة أنك إذا أحببت شخصا وأردت الإرتباط به فخذ بيده وعرفه الطريق إلى تقوى الله والجنة، فيكون حبك له في الله ... وهذا الحب سيصاحبكما فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض...
وليؤكد لنا المعنى الحبيب المصطفى الذي كان بالمؤمنين رؤفا رحيما صلى الله عليه وسلم قال لنا:{ المرء مع من أحب.}.
كما قال صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه من سواهما... فإن أحببت فأحب لله وخذ بيد من أحببت وتعرفوا سويا على الذي منحكما قلوبا لتحبوا وتعشقوا وليكن ذلك لوجه الله تعالى فيبارك الله لكما حبكما وتكون الذرية الصالحة هي ثمرة إرتباطكما على سنة الله ورسوله..
أخي واختي في الله .. إن رأيت فيها خيرا.. أو لامست فيها صوابا.. أو أحسست ان بها نفعا لأحد غيرك فلا تبخل عليه بها.. وهكذا تكون لك صدقة جارية بإذن الله.
هذا والله أعلى وأعلم ....

العلاقة الحقيقية بين تقوى الله والحرية بكامل معناها ومفهومها عند البشر


 العلاقة الحقيقية بين تقوى الله
 والحرية بكامل معناها ومفهومها عند البشر
فإن كل تقيا هو بالضرورة حر.. وليس كل حر بتقي.
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين الذي بعثه الله بالحق هدى ورحمة للعالمين
ما سوف أعرضه هو وجهة نظري الشخصية، ولا إلزم بها أحدا، وهي ليست تفسيرا أو تأويلا أو فتوى، ولكن ما دار بخاطري من خلال كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ....
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف" . رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح . وبما أن الحديث قد وجهه رسول الله إلى شاب مسلم فالتالي هو موجه لعامة شباب المسلمين. فهم الذين يحملون على عواتقهم النهوض بالمجتمع.
هذه دعوة صحيحة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل مسلم ليكون حرا مستقلا عن سائر الخلق، ويكتفي بحلال الله عن حرامه، ويغتني بالله عمن سواه... فلا يكون لأحد سلطان عليه إلا بالتقوى، أي أن يكون حرا متحررا من كل ما سوى الله ورسوله...
ويقول المولى تبارك وتعالى:
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) الكهف.
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ
بعد أن وضح لنا الحق سبحانه وتعالى كل المساوئ والآثار السيئة جدا المترتبة على عدم الإستقامة على دين الله، كل ذلك يدعو المؤمن الحق الذي يريد أن ينجى بنفسه من الضلال وغضب ربه، أن يحرر عقله وقلبه ونفسه من كل ما سوى الله، حتى من سؤال الغير، أو الإستعانة به، فلا يسأل إلا الله، ولا يستعين إلا بالله...
أما الآخرين بالنسبة له، فهم من يستفيدون من أخلاق دينه وإتباعه لرسوله، فهو يعطيهم من فضل إبتسامته، ومن فضل أخلاقه، ومن فضل تصرفاته الحكيمة والرزينة والمستوية على أمر الله، وبذلك يستفيد الآخرين من نفعه الذي نفع به نفسه أولا ثم من حوله ثانيا ثم المجتمع الذي يعيش فيه ثالثا، إيا كان هذا المجتمع، في وطنه أو في غربته..
فهنا يتضح لنا أن الله سبحانه وتعالى يريدك حرا محررا، ولكن تقيا نقيا طاهرا ذكيا نافعا  ومنتفعا، ولكن بغير عبودية إلا لله تبارك وتعالى.
لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا. الإسراء.
وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا.الكهف.
لا تجعل على نفسك سلطانا آخر، أيا كان هذا السلطان، فلا تطع من غفل عن ذكر الله، فقلبه قد مات، ولا خير فيه، وحتى لا نضيع هنا بين قوانين وعادات المجتمعات تعالوا بنا نرى بماذا أوصانا ربنا حتى نعلوا علوا كبيرا عن كل تلك الخزعبلات التى وقع فيها من ضل عن ذكر الله:
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ
1.             أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا.
2.             وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا.
3.             وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ.
4.             وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
5.             وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ.
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)
6.             وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ.
7.             وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا.
8.             وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى.
9.             وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا.
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)
10.         وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
وهذه هي خطوات التحرر الكامل من كل ما سوى الله... يأمر المولى تبارك وتعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن يقول لنا وصايا ربنا.. لنحرر أنفسنا وذلك بقوله تبارك وتعالى :{ قُلْ تَعَالَوْا }أي تعالوا إلى الله، أو تعالوا عما أنتم فيه من إسفاف ومعناة وأحزان ومتاهات وعادات وتقاليد تخرجكم عن تقوى الله والإستقامة على دينه.
 والعجيب في الأمر أننا عندما نعمل في شركة أو معمل أو دكان فإننا نطبق كل تعليمات صاحب العمل.. ولكننا نتجاهل وصايا ربنا... التى بها نتحرر من كل سلطان وننعم برضاه سبحانه وتعالى فننجو من العذاب، وذلك بدلا من أن نعمل بها ونوصي بها أولادنا.. ولكن لا نملك إلا أن نقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن أتبعنا ما سبق فقد حررنا أنفسنا من كل ما يعوق سبيل تقدمنا واستقرارنا وسعادتنا، وهكذا نعلوا بتصرفاتنا وبأخلاقنا عن مستوى الضلال والإسفاف، وهكذا كان المسلمون الأوائل، تجارا وعمالا ومهاجرين، فاتبعهم من اتبعهم لما رأوا فيهم الهدى والنور..
هذا ما أرى من علاقة بين الحرية والتقوى... نعم فإنهما مرتبطان عند كل مسلم ومؤمن وموحد بالله، فإن المؤمن الحق بفطرته يعلم جيدا أن الحرية لا بد من أن تكون منضبطة بالقيم والأخلاق التى يحترمها جميع الخلق، وإلا اصبحت كما نرى تسيب وانحطاط أخلاقي رهيب..
لذلك إن الحرية إذا إرتبطت بتقوى الله فقد أنضبطت وجعلت من صاحبها حرا محررا ومنيرا مستنيرا، يحذوا حذوه كل من أراد النجاة من الهلاك والضياع الخلقي..
وهكذا يذهب من آمن بالله إلى ربه حرا تقيا مهذبا مستقيما على أمر ربه، فيدخل فيمن قال الله تبارك وتعالى فيهم:{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }الأحقاف. الإستقامة على أمر الله تحررك من كل غذو لأفكارك ومشاعرك، وتخلصك من كل ما قذف به الآخرين من نفايات أخلاقهم وإنحلالهم، وكلمات عن الحرية ليس بها من الحقيقة إلا الضلال والإنحلال الخلقي والعقائدي..
من أجل هذا نرى أن العاقل الذي تدبر أمره ترك كل شيئ وراء ظهره وتخلص منه ثم دخل إلى الإسلام واتخذه دينا يدين به في حياته لما رأى النظافة والنقاهة وسلامة العقيدة والنجاة من الإنحلال والدنس. وهذا الشخص سيكون شاهدا بالحق على أمة الكفر.
وهكذا نرى أن الحرية عند الموحد بالله هي نفسها الحرية عند غيرهم ولكن حرية منضبطة، وقائمة على أحترام كل خلق الله والعيش معهم في سلام عادل ومحترم، وبعيدة كل البعد عن الإنحلال والإنحطاط الأخلاقي، حرية أساسها العدل والرحمة والإحترام المتبادل.. 


إعرف نفسك كما خلقها ربك
فمعرفتك لنفسك هي وسيلتك لترقى بها إلى الله
والكلام هنا لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي في شرح جميل وواقعي للأية الكريمة، فأترككم معه لتستمعوا بوصف الله العلي العظيم  للنفس البشرية.
بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الإخوة الكِرام، الآية التاسعة عشرة من سورة المعارج، وهي قوله تعالى
:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22﴾  المعارج.
كلمة الإنسان أيْنما وردت في القرآن مُعَرَّفَةً بِأَلْ فهي تعْني الإنسان قبل أنْ يعرف الله، الإنسان قبل أن يتَّصِل به وقبل أنْ يُطيعهُ ما طبيعَتُهُ ؟ إنَّ الإنسانَ خُلق هلوعاً ؛ شديد الهَلَع: يخافُ كثيراً ؛ إذا مَسَّهُ الشر جذوع جذوع على وزن فعول وهي صيغة مُبالغة أيْ كثير الجَزَع، وإذا مسَّه الخير منوعاً لي صديق يعْمل في الطيران فقال لي كنا في رحلةٍ إلى باريس وإذا بالطائرة تدخل في سحابةٍ مُكَهْربة في الشتاء فَقُطِعَ رأسها الأمامي مكان الرادار وكُسِرَ بِلَّوْر كبير وتعَطَّلت بعض الأجهزة وكان سُقوط الطائرة مُحَقَّقاً، رُبان الطائرة أعطى أمر بالهُدوء والركاب بِوَضْعٍ مُخيف ومنهم من يضْرب رأسه ومنهم من يصيحُ بِوَيْلِه ومنهم من يذكر أولاده لأن الموت مُحَقَّق، وحركة الركاب وضجيجُهُم يُسيء إلى سلامة الطيَران فأعطوا لهم أمراَ من جديد ثمّ اضْطر إلى إِعْطاء أمر إلى أحد الركاب لِيُهَدِّأهم فما وجدوا أحداً يُصْغي من شِدَّة الهَلَع وبالنِّهاية وَجَدوا رجلاً هادِئاً ومُغْمِض العَيْنَيْن فَتَوَسَّموا فيه الخير لعلَّهُ يقف وينصح الركاب بِالهُدوء فلما وصلوا إليه وجدوهُ مُغْماً عليه من شِدَّة الخوْف ؛ وهذا معه مرضٌ خبيث وقال له الطبيب: اِنْهِ مُشكِلاتك وصَفِّ حِساباتك وودِّع أوْلادك إذْ معه ثلاثة أشهر على الأكثر، ثاني يومٍ ماتَ لأنَّهُ ما تحَمَّل هذه المُدّة فماتَ 
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22﴾
وهناك أشْخاص يَرْجِفون عند الخوف وآخرون يخْتلّ توازُنُهم ومنهم من يُفْرِغ مثانته إنّ الإنسان خُلق هلوعاً إذا مسَّهُ الشر جذوعا، فهل هذا ذَنْبٌ له ؟ لا، هذا ضَعْفٌ في أصْل خلْقِهِ وهو لِمَصْلَحَتِهِ ؛ كيف ذلك ؟ الذي معه أجْهزة إلِكْترونية غالِيَة جداً وكُلفة الجِهاز بِالمَلايين، يجد هناك ما يُسمى بالفيوز، فما هي الفيوز ؟ وصْلة كهْربائية ضعيفة جداً فإذا جاء التيار بِقُوَّة مائتين وأرْبعين يحدث هناك احْتِراق وينْقطع التيار فَبَدَل أنْ ينْعطِب الجِهاز ينْعَطِب الفيوز الذي لا تزيد كُلْفَتُهُ عن ليرتين فهذا الفيوز نُقْطة الضَّعْف بِالجِهاز فهي لِمَصْلَحتِه، لذلك الضعف في أصل خلق الإنسان مصْلحته كلما لاح له شَبَح مُصيبة لجأ إلى الله وتاب إلى الله وأقبل إلى الصلاة وأصْلح نفسه وراجع حِساباته فإنّ الإنسان خُلق هلوعاً إذا مسَّهُ الشر جذوعاً، لو أنّ الله خلقه ولم يجْعل فيه الخوف لن يتوب ولا يصْطَلِحُ مع الله ولا يُطَبِّق المنهج ولا يلْتجِئُ إلى الله ؛ لأنه قوي وفي الحالات النادرة ؛ كلا إن الإنسان لَيَطْغى أن رآه اسْتغنى ؛ فهو إذا رأى نفْسه غنياً يطْغى ؛ مالٌ وصِحَّة ومنْصب رفيع وسَيْطرة ؛ كلا إن الإنسان لَيَطْغى أن رآه اسْتغنى، الهَلوع، الجذوع ؛ هذه صِفَةٌ خلْق في الإنسان ولكنها لِمَصْلَحَتِه ومن أجل أن تُلْجِئَهُ إلى الله، كان عليه الصلاة والسلام إذا حَزَمهُ أمرٌ سارع إلى الصلاة ؛ من أجل أنْ يتذكَّر الله عز وجل فالإنسان إذا كان بِأَعلى درجات الصحَّة يشْعر بِكُتلة في جِسْمِه يزْدادُ حجْمُها فإذا صلى وقام الليل ودعا الله وقرأ القرآن ويحضر درس علم، كلُّ هذا الخَوْف هو سبب نجاتِهِ وتَوْبَتِه وإقْباله على الله، كُلّ هذه الخصائص التي اخْتصها للإنسان هي لِمَصْلَحة الإنسان ؛ حالات كثيرة للتَّوْبة أساسها الخوف من المُصيبة والإفْلاس والخوف من مرض خبيث وخوفٌ من فقْدِ حُرِّيَة وخوفٌ من تدْمير المال ؛ 
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22﴾
الأمر الثاني هو:
﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21﴾
فإذا كان معه مالٌ تجِدُه حريصاً على عدم إنْفاقه وحريصٌ على كنْزِهِ وتَنْمِيَتِه والسبب أنَّ المال مُحَبَّب، لماذا جعل الله الإنسان يُحِبُّ المال ؟ من أجل أنْ يرقى إلى الله إذا أنْفَقَهُ ؛ شيءٌ محْبوب فإذا أعْطَيْتَ لِشَخْصٍ خمسة آلاف فالمال مُحَبَّب لأنك به تأكل وتشْرب وتلْبس وتتنزَّه وتُحَسِّن به بيْتَك وتُحَقِّق وُجودك به فأنت اِقْتطَعْته من حاجاتك وبذَلْتَهُ لِوَجْه الله، ولولا أنَّ الإنسان يُحِبُّ المال في أصل خلقه لما ارْتقى بإنْفاقِه والدليل قوله تعالى:
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14﴾ آل عمران
 ولولا أنك تُحِبّ أن ترى امرأةً جميلةً لما كان هناك ارْتِقاءٌ بِغَضِّ البصر عنها إذْ أنَّها مُحَبَّبَة فَحِين تغضُّ بصرك عنها ترْقى إلى الله وتكون ممن عاكسَ شَهْوته، ولولا أنك تُحِبّ المال لما ارْتَقَيْتَ في إنْفاقِه ؛ فهاتان الصِّفتان الخوف والضَّعْف والحِرْص والخوف من خطرٍ والحِرْص للخير قال تعالى:" إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسَّه الشر جذوعا..." بعد أنْ يعْرف الله ويتَّصِل به يُصْبح مُتَوَكِّلاً عليه وإذا أردْتَ أنْ تكون أقْوى الناس فَتَوَكَّل على الله وبعد ما ترى ما عند الله من خير تُنْفِقُ بِسَخاء ؛ فَشِدَّة الجزع وشِدَّة الحِرْص دليل عدم معْرفة الله إذْ بعد المعْرفة تُصبِحُ شُجاعاً وثابت الجنان ومُتوازِناً وقوراً ومُنْفِقاً للمال بِسَخاء، قالت السيّدة عائِشَة عن سيِّدنا عَوْف: أخْشى أنْ يدخل الجنّة حَبْواً فلما بلغه ذلك قال: والله لأَدْخُلَنَّها خَبَباً وماذا عَلَيَّ إذا كنتُ أُنْفِقُ مئَةً في الصباح فَيُؤْتيني الله ألفاً في المساء ؟‍! وهذا سيّدنا عثمان جاءَت سِتّ مئة ناقَةٍ مُحَمَّلةٍ بِضاعَةً من الشام مما يُعادل ستّ مائة شاحنة معَمّرة بالبضائع وكان من الأغْنِياء رضي الله عنه وكان ذاك العام عامُ مَجَاعة ؛ ربَّحوه عليها بالمائة عشرة وعِشْرين... حتى بالمائة خمس مائة فَدُفِع أكثر فلما يَئِسوا منه قال: هي لِوَجْه الله لِأهل المدينة لأنّ الله وعدني بالحسنة عَشْر أمْثالها فالإنسان بعد أنْ يؤمن وبعد أنْ يعرف الله يُصبح يُحِب المال لِيُنْفِقَهُ لا لِيَخْزِنه ؛ مُحَبَّبٌ بِإنْفاقِه والعلماء قالوا: من أجل أن تعرف ما إذا كنت من أهل الدنيا أمِن أهل الآخرة ؛ أهل الدنيا يُحِبون أخْذ المال وأهل الآخرة يُحِبون إِنْفاقه وهذا هو الأرْيَح الذي يرْتاحُ للعطاء فهذه الآية:" إنّ الإنسان خلق هلوعاً..."، تَصَوَّروا إنْساناً أراد أنْ يُهاجِر من بلَدِه وكان طُموحُه أنْ يكون بِبَلَدٍ مُعَيَّن الأمور مُيَسَّرو والبيوت رخيصة والتجارة سهْلة والمناظر جميلة والأرباح طائِلة فإذا به يبيعُ بَيْتَهُ ومعْمَلَهُ وحوَّلَ كُلّ أمْلاكِه إلى بلد الذي يطْمحُ أنْ يصِل إليه فَمَن قدَّم ماله سَرَّهُ اللحاقُ به فإذا كان للواحد منا ملايين في بلدٍ أجْنبي ولا شيءَ معه في بلدِهِ سَتَكون أصْعبُ لحظاته حين ركوبه الطائرة للذهاب لِمالِهِ فَهُناك يشْتري الفِلات والبيوت والمَرْكبات، والمؤمن حينما يُرْسِل ماله أمامه إلى الآخرة يُسِرُّه اللحاقُ به أما إذا كان لإنْسانٍ كلُّ مُكْتَسَباته ؛ بيْتٌ فَخْمٌ وزينة وتركيب ومكاتب ومرْكبات تُصْبح الموت عليه كالجبل ؛ قالوا: لماذا نَكْره الموت ؟ قال: لأنكم عَمَّرْتم الدنيا وخَرَّبْتم الآخرة والإنسانُ يكْرهُ أنْ ينْتَقِل من عمار إلى الخَراب، إذا سَكَّنا شخْصاً بِالمالكي أربعة مائة متر ؛ تكييف وتدْفئة وفرْش وتزيين وكلُّ شيءٍ جميل فإذا أسْكَنْتَه تحت الأرض بِبَيْتٍ فيه غُرْفة ‍! فالإنسانُ يكْرهُ الموت لأنَّ لا عَمَلَ له صالح ويكره الموت لأنه عَمَّر الدنيا وخَرَّب الآخرة ويكره الموت لأنه ما قدَّم ماله أمامه، أصعبُ شيءٍ المُغادرة، لي صديق كان معه شخْصٌ عنده مرض في قلبه فقال لي لقد كان مُتَألِّماً وسأقول لكم - سامِحوني - عِبارته: قال له: بنْتُ هذا الحرامي - على زوْجَتِه - غداً أموت وسَتَتَزَوَّجُ ؛ لأنَّهُ رأى مصيره حتى ركَّزَ هذا البيت وأفْرَشَهُ فإذا مات وزوْجَتُهُ شابة تتزوَّجُ آخر على سِنِّها فإذا دخل ذاك الزوْج البيت وَجَدَهُ جاهِزاً، فالإنسان إذا لم يكن له عملٌ صالح ينْسَحِقُ سَحْقاً أما الذي بِكَفَّتِهِ أعْمالٌ صالحَة قالت له: واكرْبتاهُ فقال: لا كَرْبَ على أبيك بعد اليوم غداً نلْقى الأحِبَّة محمداً وصَحْبه فاجْهَد إذا جاءَك ملَكُ الموتِ أن تمون أسْعَدَ الناس وأنْ تضْحك وحْدَك ومن حَوْلك يبْكون اِجْهد أنْ تضْحك وحْدك، الأعمال الصالحة إخْواننا الكِرام ؛ ضبط الجوارح وضبط اللسان وغضّ البصر وإنْفاق المال وذِكر الله عز وجل وطلب العلم وتعْليم العِلم هذه كُلُّها بِضاعة الآخرة فمن أكثر من هذه البِضاعة سَرَّهُ الذهاب إليها ومن قلَّل من هذه البِضاعة يكون قد آلمه جداً ترْكُ الدنيا.  والحمد لله رب العالمين





قوة الكلمة وأهميتها وتأثيرها اللامحدود في حياة الأفراد والشعوب
  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) . البقرة.
لماذا ينادي علينا ربنا في 88 نداء في كتابه الكريم؟
·                        ينادي عليك الله ربما لأنك بعيد فتقترب.
·                        ينادي عليك الله وأنت قريب لتنتبه...وربما لتزداد قربا.. وربما ليكلفك بأمر يخدم الأمة.
·                        ينادي عليك ربك لكي لا تذهب بعيدا عنه وتجذبك تيارات الهوى فتهلك .
· ينادي عليك ربك لأنه يغار عليك... لا يريد لك إلا الخير{ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ  }.اللهم أجعلنا من عبادك الذاكرين الحامدين المستغفرين ليل نهار.
·                        ينادي عليك ربك ليعطيك معطيات الإيمان، ليثبتك ويطهرك ويزيدك من فضله.
·                        ينادي عليك ربك حتى لا يكون مصيرك مثل هؤلاء الذين عاشو حياتهم في لهو ولعب ونسيان وغفلة وهم :
1)    وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) الفرقان.
2)  وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) المنافقون.
3)    يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) الفرقان.
4)    وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)
5)  قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)..فاحذر أخي في الله أن تهمل ماجاءك من آيات ربك .. ففيها نجاتك.
·                        ينادي عليك ربك لكي ينجيك من مثل ما سبق من مواقف والتى لا ينفع فيها الندم .
ولو نظرنا إلى فاتحة الكتاب سنجد أن العالم كله منذ آدم عليه السلام وحتى قيام الساعة ينقسم إلى قسمان:
{ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (6) }..{ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) }.
·                        ينادي عليك ربك ليهديك الصراط المستقيم .
·                        ينادي عليك ربك حتى لا يقع عليك غضبه وتصبح من الضالين.
·          ينادي عليك ربك ليعطيك ولايته... ليتولاك برحمته... لينقذك من ولاية الشيطان، وينقذك من النار... ويهديك نورا واستقامة وتقدما وإزدهارا:
1)    اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
2)    وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ
3)     أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
الآن هيا بنا نعيش مع بعض الحوارات القرآنية .. لنكتشف القوة الحقيقية للكلمة، وكيف إنها تغير حياة الأفراد والشعوب والأمم من الجن والإنس والحيوان والطير:...
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
عندما يكون القلب عامرا بالإيمان... وعندما يتحرر العقل من كل سلطان.. ويستسلم الإنسان لربه الرحمن.. تكون كلمته كالسيف تبهت وتقهر كل طاغية كذاب.
***
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) البقرة.
{ وهكذا إيمانك بالله يجعلك أهلا لأن تحمل آمانة الكلمة...وتسير بها في حياتك حتى تلاقي ربك، ولكن عليك حق رعايتها وأداء آماناتها }.{ عندما يؤمن الإنسان بالله يمنحه الله قوة الكلمة، وهكذا أحيا بها إبراهيم عليه السلام الموتى}.
***
حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) النمل.
وهذه نملة أنقذت أمة كاملة من الهلاك...ثم هي تكلمت بمنتهى الحكمة والعدل، فلم تتهم سليمان ولا جيشه بالباطل، بل أنصفته أمام قبيلتها من النمل بقولها { وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }.
***
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) النمل .
فليتعلم الإنسان من الهدهد كيف يحرر عقله من كل قيد لينطلق في ملكوت الرحمن فيحصل على ما كتب الله له من علم نافع يعود عليه وعلى أمته بالخير والتقدم، وليتعلم الإنسان كيف يحرر قلبه من الخوف وكيف يخاطب من هو أعلى منه بغير نفاق ولا تجريح.وهذا لا يحدث إلا بإتباعنا وتلبيتنا لأول نداء من رب العالمين لعباده المؤمنين.
***
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)  الجن