(( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ))
حديث وآية في ود وانسجام
وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
- أوصاني خليلي بسبعٍ :
بحُبِّ المساكينِ ، وأن أدنوَ منهم
وأن أنظرَ إلى من هو أسفلَ مني ، ولا أنظر إلى من هو فوقي ،
وأن أَصِلَ رَحِمي وإن جفاني ،
وأن أُكثِرَ من قولِ : ( لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله ) ،
وأن أتكلَّمَ بِمُرِّ الحقِّ ،
وأن لا تأخذَني بالله لومةُ لائمٍ ،
وأن لا أسألَ الناسَ شيئًا.
الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب.
(( خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
الآن سنحاول دراسة كل وصية على حدى عسى أن ينفعنا الله تبارك وتعالى بما فيها من خير كثير.
أولا : (( بحُبِّ المساكينِ ، وأن أدنوَ منهم )).
يقول الله تبارك وتعالى في محكم آياته :
(( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ )).
إذا فهذا ميثاق من الله أخذه علينا نحن أيضا لأننا وقعنا عقد الإيمان به سبحانه واتباع نبيه وخاتم رسله صلى الله عليه وسلم.
وحب المساكين .. أول ما نكتسبه من حبهم هو أكتشاف ما لدينا من نعم هم في حرمان دائم منها.. وحبنا لهم هو حب شفقة وعطف وفهم لرسالتهم في الحياة فقد جعل الله منهم رسالة واضحة المعنى يراها ويسمعها كل صاحب نعمة وفضل من الله تبارك وتعالى.
ثانيا : (( وأن أنظرَ إلى من هو أسفلَ مني ، ولا أنظر إلى من هو فوقي )).
يقول الله تبارك وتعالى:
(( لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ))
[ سورة الحجر 88].
من الطبيعي جدا أننا عندما ننظر إلى من هو أسفل منا، إلى من هو أقل منا فسوف نشعر بقيمة مالدينا ونحمد الله ثم بما فينا من إنسانية سنمد له دائما يد العون ونعطيه مما أعطانا الله من ابتسامة ودعاء ومن فضل الله.
ثم إننا بعدم النظر إلى من هو فوقنا سنريح أنفسنا وسنسد باب الشيطان أمام وسوسته اللعينة بأن يقول لك مثلا لقد أعطاه الله وحرمك .. وهذا نفسه نجده في الآية الكريمة بسورة الفجر :
(( فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ))
ثالثا: (( وأن أَصِلَ رَحِمي وإن جفاني )).
يقول الله تبارك وتعالى في محكم آياته :
(( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ))
وكأن عدم صلة الرحم نتيجة طبيعية لكل من تولى عن أمر الله، سبحانك ربي ما أرحمك .. وها هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا ويوصينا بأن نصل رحمنا حتى ولو جفانا.
رابعا: (( وأن أُكثِرَ من قولِ : ( لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله ) )).
قال الله تبارك وتعالى في محكم آياته :
(( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ))
[سورة التوبة]
والآية الكريمة تشرح قول رسو الله صلى الله عليه وسلم، ووصية الرسول تشرح الآية الكريمة، فهو قول كامل متكامل ومطابق لكل حياة كريمة في رحاب الله.
خامسا: (( وأن أتكلَّمَ بِمُرِّ الحقِّ )).
يقول الله تبارك وتعالى في محكم آياته في وصية من وصاياه سبحانه:
(( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )).
[ سورة الأنعام ].
سادسا: (( وأن لا تأخذَني بالله لومةُ لائمٍ )).
يقول الله تبارك وتعالى في محكم آياته :
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ))
[ سورة المائدة ].
سابعا: (( وأن لا أسألَ الناسَ شيئًا )).
يقول الله تبارك وتعالى في محكم آياته :
(( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ))
وهكذا نجد أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصينا بما أمر به الله لنحيا بالقرآن وبوصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ود وانسجام داخلي وخارجي وتكامل كامل وواضح بين منهج الله وسنة نبيه وخاتم رسله عليه أفضل الصلاة والسلام.