17 dic 2015

افتتاحية سورة الفجر


بسم الله الرحمن الرحيم 
كلمة شكر وتقدير من القلب للقلب 
اتقدم بجزيل شكري وعظيم تقديري وفائق إحترامي لكل من زارنا في هذه الصفحة المتواضعة وعبر بكلمات ودعاء نرجو من العلي العظيم ذو الملكوت والجبروت والعزة والكبرياء أن يتقبله منا وأن يجعله في ميزان حسناتكم إن شاء الله .. أكثروا من الدعاء فهو أمر من الله العلي العظيم واجب النفاذ:

ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ 
*****
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا 
******

وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ 
*****
وهكذا نرى أن الدعاء هو وسيلتنا الأكيدة للخروج من كل هم وكرب وحزن وقلق ... والله يحب عبده اللحوح.. ويغضب من عبده إن لم يسأله الخير في كل أموره .. 
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.. وجعل منكم جميعا دعاة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ... قال الدكتور النابلسي أن الحكمة هي أن تعمل بما علمت من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .. وهنا وجب علي أن أذكركم بآية كريمة تدعم هذا الكلام وهي دليله وبرهانه ....
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(33)فصلت
*****
والدعوة إلى الله المقصودة هنا تختلف عن دعوة العلماء والشيوخ والوعاظ .. لأن الله تبارك وتعالى أضاف{ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} فالعالم والواعظ والشيخ ليسوا في حاجة لقول أننا من المسلمين لأنه يدعو إلى الإسلام .. فلن يدعو إلى الإسلام مسيحي أو يهودي أو ملحد.. إذا فالدعوى المطلوبة هنا هيا بالمعاملة الحسنة لكل خلق الله من إنسان وحيوان ونبات وجماد .. وما من شيئ إلا ويسبح بحمد الله وهكذا وجب علينا حسن معاملته.. حتى الذبيحة حتى الهرة والكلب .. وناهيك عن الجار والأقارب وعموم البشر.. وهذا تطبيقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وضع فيه المنهج الإسلامي كله :
{ عن أبي ذرٍّ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهُ قالَ قالَ لي رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ اتَّقِ اللَّهَ حيثُما كنتَ وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحُها وخالِقِ النَّاسَ بخلقٍ حسنٍ}
هذا واستغفر الله لي ولكم وكل عام وأنتم بخير وسعادة وزيادة في الإيمان وفي محبة الله ورسوله وفي القرب من الحق قولا وعملا وسرا وعلانية ..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك واتوب إليك

لنا مع كل طلعة شمس طاقة نوارنية جديدة يحصل عليها من صلى لله خاشعا

وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالْفَجْرِ
قسم عظيم بوقت عظيم من رب عظيم فهل نعي ما في هذا القسم ؟؟ ... الفجر هو الفاصل بين الليل والنهار.. وكل منا له شأن في هذه الأوقات ... وكل منا في هذا الوقت المحبب إلى النفوس له شأن يغنيه .. وغاية يسعى إليها ...
وَلَيَالٍ عَشْرٍ
بعد الفجر وقسم الفجر يقسم ربنا بالليالي العشر.. فهي تأتي في العظمة والمكانة بعد الفجر .. أو ربما كان فجر الليالي العشر هو المقصود بالقسم ....
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ
ثم يقسم  المولى عز وجل بالشفع والوتر... بالزوج والفرد... قسم من بعد قسم ومن بعده قسم .. فيا لها من أهمية قصوى .. لا يغفل عنها عاقل ...
وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ
عندما يسري الليل نكون قد انتهينا من مشقة النهار... وهفونا إلى الراحة والسكن .. ففي الليل لكل منا غاية وآمل .. وهذا القسم يعيدنا إلى أول الليل لنسير معه قسما قسما وخطوة بخطوة...
هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)
يسأل ربنا إنسنا وجننا .. هل في هذا القسم كفاية لكل ننتبه .... نعم ياربنا ومولانا وخالقنا ورازقنا وولي نعمتنا .. لبيك اللهم لبيك ... إن الحمد والنعمة لك والملك ... لا شريك لك لبيك ...
سأترككم اليوم مع السؤال .. ليجاوب كل منا ربه ... فقد أقسم بخمسة أشياء عظام ... ثم وجه سؤاله سبحانه لنا نحن سكان أرضنا .. وعمارها.. نعيش فيها بحلوها ومرها.. لنا إخوان من كل نوع وصنف وجنس .. ورحمة ربنا وسعت كل شيء والحمد لله رب العالمين ...
فأجب سؤال ربك ولنا لقاء عاجل إن شاء الله تعالى لنعيش سويا تلك الليالي التى قيل أنها خير أيام الدنيا .. حتى ذلك الحين استودعكم الله دينكم وآماناتكم وفكركم وفقهكم .

سأل الله ذوي العقول الراجحة سؤالا فأجابوه فهل ياترى عرفت السؤال ؟ فإنه موجه للإنس والجن معا


( 2 )
وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)
*****
وقفنا عند السؤال الموجه من العلي العظيم لنا نحن عبيده.. هو الذي خلقنا ورزقنا ووهبنا من الملكات والنعم والمواهب ما لايعد ولا يحصى... يسألنا لننتبه .. فهل أنتبهنا ؟؟؟  إن شاء ننتبه ونلبي ونقول لبيك اللهم لبيك .. إن الحمد والنعمة لك والملك .. لاشريك لك لبيك ..
وَالْفَجْرِ (1)
هنا سنحاول أن نعلم عن الفجر علما يقينيا، من كتاب الله، فلابد لنا لكي نستحضر ما في هذه الأيام المباركة من نفحات ورحمات وقربات ووصال لابد لنا أن نعلم علم اليقين بآيات الله ... وفي الفجر جاءت آيات كريمة فهلما إليها نعيشها ونفهمها ونتدبرها :
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) الإسراء
هذه الآية تسير بنا في تفسير واضح وجليل لسورة الفجر التى لدينا ... دلوك الشمس  أي بعد زوالها، إلى غسق الليل أي عندما تشتد ظلمته ...
فقرآن الفجر عندما نسمعه ونحن نصلي متخيلين أمامنا الكعبة الشريفة، والطواف والجنة والنار، هذه كلها تعتبر روابط فعالة لنعيش الفجر وقرآنه وصلاته حياة حقيقية مليئة بالحيوية والطاقة النوارنية التى تنزل علينا وتتسلل إلينا من خلال كلمات القرآن الذي هو روح من أمر الله ...
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ
ربط الله تبارك وتعالى الفجر أيضا بالصيام والقيام... وكأني بالله أرى أن الفجر هو قاعدة أنظلاقنا حيث النور وحيث المحبة وحيث القرب وحيث الإنس بالله العلي العظيم ... هو بداية عمرنا، وهو بداية يومنا، وهو بداية قربنا وصلاتنا وحياتنا... الفجر فيه حياة الروح...
وحتى الغد القريب إن شاء الله اترككم في رعاية الله وحفظه .

من علم اليقين إلى حق اليقين نقطع مشوار حياتنا في آمان الله


والفجر (3)
هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) سورة الفجر
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفنا في اللقاء السابق عند سؤال المولى عز وجل إن كان في كل ما أقسم به الله كفاية لكي ننتبه لما سيقول لنا ... وفي الحقيقة وجب علينا الإنتباه، لأن مافي هذه السورة شيئا لا تصح الأعمال إلا به، لقد بين لنا ربنا في هذه السورة القصيرة الكريمة كل ماضي الدنيا، ثم يخاطب كل منا على انفراد ويشرح لنا حاضرنا، واقعنا الآن في هذه الأيام، ثم يصور لنا النهاية الكبرى للعالم كله، تصوير بديع وجميل ولكنه مرعب ومخيف.. فتابعونا بإهتمام، لأن الله تبارك وتعالى قد فرض علينا في هذه السورة ما سوف يساعدنا كثيرا على تلقي النفحات الربانية العظيمة في ليالينا العشر,,
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)
لم يرى الرسول صلى الله عليه وسلم ولم نرى نحن ماذا فعل ربنا بعاد... وهنا لنا وقفة كبيرة ومهمة فدققوا تسلموا وتغنموا..
لقد شرح علماءنا الكرام هذه الآية بإستفاضة غنية وقد أشبعوا فيها نهمنا لفهمها، كل التفسيرات المطروحة تشير إلى أنه يجب علينا أن نأخذ كل كلام ربنا بيقين ثابت وكأننا رأيناه بعيوننا، لأن المتحدث هو المولى عز وجل ... ولدينا هنا آيات توضح لنا درجات اليقين :
كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)
لنا في اليقين ثلاثة مراحل ..
1 ـ علم اليقين . 2 ـ عين اليقين . 3 ـ حق اليقين.
ولكي نقرب المسألة إلى أذهاننا سنفترض مثلا ولله المثل الأعلى أنني قرأت في الصحيفة أن هناك منزل للإيجار أو للبيع ، هذا هو علم اليقين، ثم ذهبت لرؤية المنزل، فهذا هو عين اليقين فقد رأيته بعيني، ثم اشتريته أو أجرته وعشت فيه، هذا هو حق اليقين ...
وضرب الدكتور محمد هدايا مثلا آخر أعجبت به كثيرا .. قال لو أن هناك مجموعة من الناس يستمعون له، وهو أحضر بطرمان عسل نحل ووضعه أمامه ولكنه أخفاه عن العيون  وقال للناس هذا الإناء فيه عسل نحل .. هنا سينقسم الناس إلى ثلاثة أقسام.. منهم من سيصدق لأنه يثق في المتحدث فهذا هو علم اليقين .. وهناك فريق آخر من الناس سينهض ويذهب ليرى العسل بعينه ...  فهذا هو عين اليقين ... وهناك فريق آخر سيأتي ويفتح البطرمان ويذوق العسل .. فهذا هو حق اليقين ... الآن سنكمل الآية لنعرف ماذا عن أصحاب حق اليقين :
فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90)فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) الواقعة
هؤلاء لن يصدقوا بيوم الدين وبكل ماجاء به رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حتى يدخلوا الجحيم.. وعن حق اليقين يحدثنا ربنا في آية أخرى :...
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) الحاقة
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) الفجر
الآن نستطيع أن نعلم علم اليقين بل ونرى بعين اليقين كيف فعل ربنا بعاد.. إرم ذات العماد... وهذه قصة ستساعدنا كثيرا كثيرا كثيرا لنتقرب من ربنا في كل ما سنقوم به من قربات في ليالينا العشر فتابعونا غدا إن شاء الله .. وحتى ذلك الحين أترككم لتنعموا بكل ما سيقدمه لنا زملائنا وأعضاء منتدانا الكرماء فاستودعكم الله الذي لا تضيع عنده الودائع

إذا أصبت اليقين في أي من مجالاته الشاسعة فأنت في معية الله


الفجر وليال عشر (4)
اليقين والتقوى قرينان إن غاب أحدهما غاب الآخر
1 ـ علم اليقين . 2 ـ عين اليقين . 3 ـ حق اليقين.
اليقين والتقوى لا يمكن أن يفترقا أبدا .. وذلك بدليل الآية الكريمة التالية :
(1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَبِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
لابد لنا أن نكون على يقين من كتاب الله، أن نؤمن بالغيب وكأننا رأيناه بعيوننا، كانوا قديما عندما يقفون للصلاة كانوا يرتجفون خوفا من الله لأنهم كانوا يرون الكعبة أمامهم والجنة عن يمينهم والنار عن يسارهم فتوجل قلوبهم لأنهم يعلمون علم اليقين بل يرون بأعيونهم ما غاب عنهم واخبرهم به رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم .. ومراحل اليقين وضحها لنا ربنا في الآية التالية :
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) التكاثر.
فإما أن نعلم علم اليقين ونستسلم لله، وإما أن نصل إلى عين اليقين فنتقي الله  ونتقي النار وكأننا نراها .. وإما أن نعيش باليقين الكامل وهي درجة الإحسان في كل شيئ وهي أن نعبد الله وكأننا نراه....
وهذه هي الحالات الثلاثة التى تساعدنا الآن على أن نقوم بالعبادات المطلوبه في هذه الأيام الجليلة المفترجة من ذي الحجة.. فنصلي ونلبي وكأننا نرى الكعبة الشريفة .. ونستحضر في قلوبنا الطواف والصفا والمروة ونعيش شعائر ومناسك الحج بالتعظيم المناسب والملائم لها وذلك هو عين اليقين ..
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) الحج
كيف سنعظم حرمات الله إن لم نكن على يقين بها؟ ثلاثة أشياء هي دليل تعظيم حرمات الله :
أولا : أجتناب الرجس.. والرجس هو كل شيء سلبي وهو كل إثم وعدوان. الكذب والغش والخداع.
ثانيا : ثم أجتناب الرجس من الأوثان.. أن يعبد الإنسان هواه.. أو يتبع طاغية من طواغيت هذا الزمان، أو يجعل في قلبه حبا أشد من حب الله ورسوله وجهاد في سبيله .. ففي عصرنا هذا تغير شكل الصنم فأصبح هو الهوى أو الشيخ أو الأستاذ أو القائد أو الزوجة أو الأبن أو المصلحة الشخصية أو فلان وعلان من الناس.
ثالثا : إجتناب قول الزور... وهذه هي الحفرة الكبيرة التى نقع فيها دون أن ندري .. فأحيانا لا نقول الزور ولكننا نؤيده أو نصدقه أو نسكت عنه أو نصفق له أو نتبع من يقوله ويعمل به...  والأمر من الله بالإجتناب هو الإبتعاد كلية عن الزور وقول الزور...
حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)الحج
تعظيم شعائر الله تحتاج منا إلى يقين نتدرج فيه من علم اليقين إلى عين اليقين إلى حق اليقين  وذلك بدليل الآية التالية :
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ(50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) الحاقة
هذا القرآن هو تذكرة للمتقين، الذين هم به موقنون، وهم منه على يقين، وهو بالنسبة لهم حق اليقين فسبحان ربي العظيم .
هذه مرحلة يجب أن نمر بها كلنا .. مراحل اليقين الثلاثة.. فالإيمان محله القلب.. وتقوى الله محلها القلب .. واليقين بالله وكتبه ورسله محله القلب ...
زادنا الله وإياكم علما وهدى ويقينا وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .. وإلى أن نلتقي في الغد القريب إن شاء الله لكم منى أجمل دعائي وحب واحترامي ..
استودعكم الله الذي لا تضيع عنده الودائع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

القلب هو ملك متوج من قبل الرحمن لذلك لن يجد راحته إلا في رحاب من خلقه سبحانه

اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ

القلب المنيب
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) عافر
القلب المنيب هو الذي يرى آيات الله .. لأنه يؤمن بها .. والقلب المنيب له ذاكرة قوية وجاهزة  بمعنى أن الشيطان لا يستطيع العبث بها ... والقلب المنيب صاحبه دائما منشرح الصدر... لأنه عندما ينيب الإنسان ويرجع إلى ربه ينشرح صدره وقلبه.. بدليل الآية الكريمة:
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) الأنعام
القلب المنيب هو قلب سعيد .. صاحيه يعيش في سعادة دائمة .. وهو دائما منشرح الصدر صاحب ابتسامة في معظم الأحيان..
والقلب المنيب قلب لا يعرف الرجس طريقا إليه ... أي لا يستطيع الشيطان أن ينفذ إليه بألاعيبه الملعونة.. فهو ليس له سلطان على الذين آمنوا:
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ . { النحل }.
والقلب المنيب ، قلب رقيق ورحيم .. قلب ذاق طعم رحمة الله .. فهو يرحم خلق الله.. لأنه عرف أن الله تفضل عليه برحمته ليرحم هو من حوله من خلق الله...
اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ
والقلب المنيب قلب قد هداه الله ... وهو قلب خالي من الأمراض... قلب لايعرف الحقد ولا الحسد ولا الضغينة ولا النفاق..
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا


هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) غافر
هذه ليست إلا تذكرة ، فإن الذكرى تنفع المؤمنين... هذا والله أعلى وأعلم

إذا أردت تحقيق شيء ما بقوة فعليك بالتقوى فهي طريق التفوق وتحقيق الأحلام الكبيرة

تقوى الله حق تقاته هي طريقنا الممهد إلى الإحسان

إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ
[ الذاريات]
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15)
عندما نتقي الله، ونتقي النار، ونتقي اليوم الآخر الذي لا تجزي نفس عن نفس فيه شيئا، إذا فنحن في جنات وعيون..
لأن في الجنة ملائكة، وفي بيوت الصالحين ملائكة كرام تتنزل عليهم قائلين لهم (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) إذا عندما نقرأ القرآن في بيوتنا، يتحول البيت إلى جنة تحفه الملائكة، وعندما نتدارس القرآن مع أهلنا يتحول البيت إلى دار علم تظله الملائكة بأجنحتهم، وعندما نقوم بأي عمل وتزيين المنزل في سبيل الله يتحول البيت إلى دار استقبال وإلى روضة من رياض الجنة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا " ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : " مَجَالِسُ الذِّكْرِ "
والآن مع الآيات التى نحن بصددها نستمد منها قوتنا وحيويتنا ونُحيّي بها قلوبنا:
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16)
صفتهم في الحياة الدنيا أنهم كانوا محسنين، لذلك وصانا ربنا في وصاياه ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) وكأن نتيجة عدم الشرك بالله نراها واضحة في الإحسان بالوالدين وبكل الناس والمخلوقات، حتى الذبيحة نذبحها فنحسن ذبحها.
كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)
أول صفات الإحسان، قيام الليل، منجاة رب الكون، والتضرع إليه، إنها درجة العارفين المحبين لله رب العالمين ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، جعلنا الله وإياكم من المستغفرين بالأسحار، ومن الذاكرين  الله ليل نهار.
وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)
هذه فرصة عظيمة جدا، من عرفها وذاق طعمها لا يمكن له أن يسلاها، حتى إن بعض الصالحين أصبح يشتهي قيام الليل والإستغفار والتوبة ليل نهار فخاف على نفسه لكونها شهوة تشتهيها نفسه كما تشتهي الطيب من الطعام.
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)‏
وهنا أقدم نصيحة أخوية في الله، وهي لا تطع نفسك إذا ما حدثتك بعيوب السائل، بأن تقول لك مثلا هو شاب ويستطيع أن يعمل، أو تقول لك سيأخذ النقود ويشتري الخمر أو شيئا من هذا القبيل، أو تقول لك لقد اتخذها مهنة وهو معه من النقود ماليس لك.. لا تطعها واعطه فهذا هو طريقك إلى الإحسان إلى نفسك وإنقاذها من الشح والبخل ومن النار، فإذا نجحت في ذلك ستجد نفسك تلقائيا تبحث عن المحروم لتعطيه، لأن نفسك قد ذاقت حلاوة الإيمان الكامنة في الإحسان.
وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ
[الذاريات]
وقبل أن نختم هذا اللقاء المبارك بفضل الله، أوجه عناية حضراتكم إلى شيء جميل جدا ومهم جدا وخطير جدا، وهي النفس، علينا أن نصاحبها في الدنيا معروفا، بأن نزكيها، وبأن ننمي فيها كل ما هو طيب وفطرنا الله عليه، أنظر إلى صورتك عندما كنت طفلا، وتذكر الجانب الإيجابي فيها، وتذكر كل من أحبك ودللك وتمتعت بطفولتك معه، من أبويك وسائر الناس.
فهذه هي صورتك الذاتية التى صورنا الله عليها فأحسن صورنا، وأبدأ في حذف كل ما علق بالصورة من سلبيات وذكريات مؤلمة، وتذكر أن الذي خلقك هو الرحمن الرحيم وهو الغفور الودود وهو ذو العرش المجيد المبدئ المعيد والفعال لما يريد، فاركع له في خشوع وذلك ورجاء لكي يعيد لك صورتك الجميلة التى خلقك عليها، ثم استودعها عنده سبحانه ليحفظها لك.
إن فعلت ذلك فلن تضل أبدا ولن تشقى حتى تلاقي ربك، وذلك بدليل الآية الكريمة:
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)
[سورة طه]
هذه من السور الجميلة جدا والمريحة للنفس والتى تدخل السرور والبهجة إلى القلوب، ففيها يشرح لنا ربنا ما جعله فينا من خلق عظيم مثل العقل والنفس والقلب والروح والمشاعر وكل ما وهبنا الله تبارك وتعالى ورأيناه خالصا في الأنبياء والرسل عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ... وأرجو من الله العلي العظيم أن تكون أنت داعية إلى الله بحسن استقبالك لآياته وتطبيقها فيتبعك كل من رأى فيك حسنا في الخلق والدين.

حدث نفسك بما حدثك به ربك فتحملك كلماته إلى أعلى حيث النقاء والصفاء وأصل كل جمال

إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرً
*******
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) الأحزاب
***
تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) الإسراء
***
كل جزء من الثانية في عمر الدنيا يسبح لله فيه من في السموات ومن في الأرض، ألا تحب أن تكون في زمرة المسبحين ؟ عندما نسبح لله العلي العظيم نخرج من دوائر الدنيا المغلقة ومن دوائر أنفسنا الضيقة إلى دوائر الكون الفسيح، ونسبح فيه ونُسًبح بحمد الله فتنفرج فينا الخلايا وتنتعش أفئدتنا وتطمأن قلوبنا.. أنظر إلى مخلوقات الله عندما يذوب الجليد فيخرج كل من مكمنه يتنفس الصعداء وتغرد العصافير بحلول موسم الربيع فرحا وبهجة وسعادة..
تسبيحنا لله العلي العظيم يصلح لنا ما أفسدناه بأيدينا وبأيد الناس في عموم حياتنا وخصوصها.
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ
****
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)
*****
عندما يحيطك الناس بكلامهم وسوء ظنهم فعليك بالصبر وتسبيح الله كما أمر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم واعكف على هذا حتى تشعر بالرضى الذي وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم .
في رمضان وفي أثناء الصيام تكون النفس أقرب ما تكون للخشوع.. فهي تلمس نفحات ربها، وهي ترى في هذه النفحات سعادتها الحقيقية وهي تستسلم لصاحبها لأنها تكره الجوع والعطش، وتأبى إلا الحصول على رغباتها، ولكنها في رمضان تستكين، وتعود إلى طبيعتها الحرة الطاهرة التقية، فانتهز هذه الفرصة واصحبها معك في تسبيح لله رب العالمين فتسعد هي بك وتسعد أنت بها، ويقربك ربك ويصلح لك حياتك وقلبك ويشرح بالقرآن صدرك.

لك من الله رسالة فهل خصصت لها دقيقة من وقتك؟

إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ
***
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ  "
ثُمَّ قَرَأَ : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)
***
حال بعض الناس بعد الدعاء:
فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ
[سورة العنكبوت آية رقم 65]
والحال التى يجب أن نكون عليها عندما ندعو ربنا:
وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ
[ لقمان آية رقم 32 ]
[  خَتَّارٍ كَفُورٍ  ] أي غدار جاحد للنعم.
الآن لدينا من الله العزيز الحميد بلاغا على لسان سيد الخلق وأشرفهم وأرفعهم مكانة الصادق الوعد الأمين الذي بعثه الله فينا هدى ورحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم، فهل أنتم مستمعون؟
إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
[ سورة الأنبياء].
فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ؟
أسلمنا لله رب العالمين .. ينتابني إحساس قوي وعميق بمعنى جديد للإسلام .. معنى جديد لهذا السؤال [فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] ..
في الحقيقة هو ليس جديدا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين لنا الإجابة الصحيحة على هذا السؤال عندما قال :
" أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ "

تحقيق ذاتك والرقي بها واحتضانها وتزكيتها هي عبادتك الأولى





غاية وجودنا هي عبادة الله ..و كل نعيم نتمناه في حياتنا الدنيا سيتحقق عندما نسعى جادين إلى تحقيق هذه الغاية العليا والهدف الكبير .. من أجل هذا حقق هدفك وارسم مستقبلك هنا وهناك فإن أجل الله آت .

خلال عمرنا الذي حدده الله لنا نقابل في حياتنا أهدافا كثيرة قد تحققت .. حققها من هم مثلنا أو ربما أقل منا .. لأن المواهب والقدرات قد وزعها ربنا بالعدل والإحسان .. وكل منا يتميز على الآخر بما ليس عنده .. فنجد فقيرا صادقا وغنيا ليس له في ميزان الحق وزن.

وجعل لنا ربنا في أنفسنا آيات كبيرة جدا وهي مبهرة كما ننبهر من آيات السماء .. كل ما هنالك أن تنتظر يوم ولادتها بإكتشافها ومحاولة تنميتها ووضعا في حيز التنفيذ ...
فإن المشاهير ولدوا ولم يعلموا شيئا البتة .. ولكنهم اكتشفوا ذاتهم ذات يوم فانبهروا وحققوا المعجزات ... أما عنك أنت صديقي فإن مواهبك الكبيرة التى لم تكتشفها بعد تنتظرك لتخرج إلى حياة الإبداع والتميز والعطاء والنجاح الكبير ...
وإن لم تصدقني فعليك بقراءة السورة التالية بتمعن وتدبر ثم اسجد لله شكرا واطلب منه أن يعينك على اكتشاف نفسك ومعرفتها فهي كنزك الخفي الذي لن يزول أبدا:
(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)
 

معطيات التميز والتفوق وأصول الحياة الطيبة ستجدها هنا في انتظارك

عندما تندمج وتنسجم حياتنا مع منهج الله الواحد القهار فهي حياة طيبة

مفهوم الدين  والحياة من خلال آية وحديث.
(حديث مرفوع) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ الْقُطَعِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ ، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ :
" اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي ، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي ، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ " .
في هذا الحديث النبوي الشريف نجد الشرح الوافي للمعنى الكبير للدين مع الحياة، فلا حياة  بغير دين .. ولا دين بغير حياة...  وهذا المعنى أيضا نجده في الآية التالية:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
[ سورة الأنفال ]
وقال أيضا تبارك وتعالى:
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
[ سورة الروم ].
حنيفا بمعنى مائلا .. أي مائلا إلى الحق وإلى دين الله .. أو مائلا عن الباطل وعن مغريات الحياة.. أي أن الإنسان يميل بطبعه إلى الدين .. وهذا المعنى بالذات وعلى وجه الخصوص نجده في الحديث التالي:
لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به
الراوي عبدالله بن عمرو بن العاص. المحدث النووي. حسن صحيح.
وهنا نرى أنه يجب علينا تبديل هوانا بأن نستبدل أفكارنا عن الحياة، فنستبدل كل هوى ليكون وفقا لما جاء به الحبيب المصطفى  صلى الله عليه وسلم، لأن الإنسان يهوى ما يفكر فيه.
نحن نفعل ذلك مع من نحب .. فعندما نكون في حضرة شخص عزيز علينا لا نفعل إلا مايحب .. ونتجنب فعل الأشياء التى يكرهها أو لا يميل إليها، والله تبارك وتعالى يقول:
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
[ سورة الحديد آية رقم 4]