16
رمضان
تابع القلب السليم
إِذْ
جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
فَأَرَادُوا
بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ
إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي
مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي
أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ
افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا
إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ
(108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ
نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ
وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) الصافات.
لا زلنا مع القلب السليم ..
قلبا يحمل من الصفات ما يتمناها كل عاقل، قلب كبر وترعرع على الصدق والإخلاص والحب والرجولة والشهامة وعدم
المراوغة إلا مع أعداء الله، وهو قلب فطن على الفطرة، وهو قلب كبير يسع ملكوت
الرحمن ويسبح فيه سباحة الماهر في الفهم والتدبر.. هو قلب نشأ على محبة الله،
فرعاه الله وطهره وأسكن فيه حبه سبحانه وتعالى وحب كل عمل يقربه من حب الله .. هو
قلب سيدنا ابراهيم وابنه نبي العرب وقائدهم ومعلهمهم وأول بذرة للشهامة والعزة
والكرامة والصدق والنبل والزكاء والمودة والرحمة والطاعة العمياء لله رب
العالمين ...
وكما بدأنا مع الدكتور
النابلسي سنستمر معه بإذن الله حتى ننتهي من هذا المنبع الآمن والطاهر النقي:
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا
علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا
وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه
وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول
فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكرام، تَتِمَّة قِصَّة سيِّدنا
إبراهيم، حينما قال الله عز وجل
﴿فَأَرَادُوا
بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)﴾ [ الصافات]
قال تعالى:
﴿إِنَّهُمْ
يَكِيدُونَ كَيْدًا(15)وَأَكِيدُ كَيْدًا(16)فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ
رُوَيْدًا(17)﴾ [ الطارق]
الله سبحانه وتعالى ليس كائِدًا، وليس مِن
أسمائِه الكائِد لأنَّ الذي يكيد هو الضَّعيف إلا أنَّ الله عز وجل حينما يكيد
يُسَمَّى كَيْدُه تَدْبيرًا حكيمًا يرُدُّ به كَيْد المُعْتَدين، فإذا كادك
عَدُوُّك فالله سبحانه وتعالى له كَيدٌ يَحْميكَ منه.
قال تعالى:
﴿فَأَرَادُوا
بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)﴾ [الصافات]
وهناك في كتاب الله تعالى كَلِمَتَين قال تعالى:
والعاقِبة للمُتَّقين.." فالأمور تَدور، يسْعَدُ أُناسٌ، ويسْكُت أناس ويشْقى
أُناس، ولا تسْتَقِرُّ الأمور إلا على نُصْرة المؤمن، وإعْزازِهِ فالله تعالى قال:
﴿فَأَرَادُوا
بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى
رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)﴾ [الصافات]
فأنت إن ذَهَبْتَ إلى بيتِ الله الحرام، فأنت قد
ذَهَبْتَ إلى الله تعالى، وإذا ذَهَبْتَ لأداء العُمْرة فقد ذَهَبْتَ إلى الله،
وإذا دَخَلْتَ بيتًا مِن بيوت الله تُصَلِّي، أو تسْتَمِعُ إلى مجْلس العِلم فأنت
ذاهِبٌ إلى الله، وإذا رأيْتَ فِتَنًا في الطريق فغَضَضْتَ عيْنَكَ فأنت ذاهب لله
تعالى، وطوبَى مَن وَسِعَهُ بيْتُهُ، ووسِعَتْهُ السنَّة ولم تسْتَهْوِهِ
البِدْعة، ففي زَمَن الفِتَن يكون البيت مأوى، والله عزوجل قال:
﴿وَإِذْ
اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ
يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ
مِرفَقًا(16)﴾ [الكهف]
فالمكان الذي تعْبُد الله تعالى فيه، والذي لا
معْصِيَة فيه، ولا لغْوَ فيه يُعْتَبَر كَهْفًا، وهذا ينْطَبِقُ عليه قوله تعالى:
﴿وَقَالَ
إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)﴾ [الصافات]
فالإنسان إن ضاقَت نفْسُهُ فَذَهَب إلى مكانٍ
واسِع، وإلى فلات أو جبل ومكانٍ مُريح، وقرأ القرآن وناجى الواحِد الدَّيان
فكأنَّه ذاهِب إلى الله تعالى، فالإنسان إن لم تَكن له خَلْوة مع الله ؛ يُناجيه
ويَدْعوه ويذْكُرُهُ ويُمَرِّر جبْهَتَهُ في أعْتابِهِ والله تعالى حيثُما
اتَّجَهْت إليه تَجِدُهُ، فالله تعالى لا يَحُدُّه مكانٍ، قال يا موسى أَتُحِبُّ
أن أكون جَليسك ؟ قال: كيف ذلك يا ربّ ؟ قال: أما عَرِفْتَ أنِّي جليس مَن
ذَكَرَني وحيثما الْتَمَسني عَبْدي وَجَدَني، أحْيانًا تسْكُن بيْتًا في سفَح جبلٍ
و ضاقت نفسُك، اِصعد إلى الجبل و اقرأ القرآنَ، ذهبت إلى بيت من بيوت الله كنت في
الطريق و سقطت الأمطار ذهبتَ إلى البيتِ، و كلُّ بيتٍِ تلتمس فيه ذكرَ الله و
الابتعادَ عن الشيطان فهو المأوى، و ينطبق عليه قوله تعالى: ﴿وَقَالَ إِنِّي
ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)﴾ [الصافات]
قال تعالى:
﴿رَبِّ
هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)﴾ [الصافات]
﴿فَبَشَّرْنَاهُ
بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)﴾ [الصافات]
و قوله تعالى:
﴿وَوَهَبْنَا
لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ(72)﴾ [الأنبياء]
قال تعالى:
﴿
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ
يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ(49)﴾ [الشورى]
معنى ذلك أن الولدَ هبةٌ من الله عز وجل، وليس
لك إلا أن تسأله ولدًا صالحا ينفع الناسَ من بعدك، و الولدُ الصالح استمرارٌ، و
أثمنُ شيءٍ على الإطلاقِ الحياة ـ و قد تكون أغنى الناسِ ـ إلا أن أثمنَ شيءٍ على
الإطلاق هو الولد ينفع الناسَ من بعدك، و هو استمرارٌ لوجودك، و كلُّ أعمالِه في
صحيفتك، و أنت في الجنة و أنت في البرزخ تأتيك الخيراتُ من دعاء ولدك الصالحِ،
فإذا بذلتُم كلَّ طاقتكم في تربيةِ أولادكم و رأيتموهم تائبين إلى الله منيبين
إليه فهذه قُرَّةُ العينِ التي ذكرها اللهُ في القرآنِ، قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ
أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا(74)﴾ [الفرقان]
لا يعرف قرَّةَ العينِ إلا من كان عنده ولدٌ و
هو قرَّةُ عينه، صلاحٌ و أدبٌ و استقامةٌ و مُعاونةٌ، قال تعالى:
﴿فَبَشَّرْنَاهُ
بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ
إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾[
الصافات]
فإذا كان للواحد مصلحة رائجةٌ أفضلُ إنسانٍ
يتابع العملَ بعدك هو ابنُك، وهو بضعةٌ منه، قال تعالى:
﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ
(101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي
الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾
أيها
الإخوةُ الكرامُ، أن يُأمر نبيٌّ بذبحِ ابنه وأن يقول سمعا و طاعةً يا ربي، هذا
الاستسلامُ الحقيقي و المُطلَق، هذه هي العبوديةُ لله تعالى و كلُّ أوامرِ الله
تعالى معقولةٌ، أمر بالصدق و الصلاة و الزكاة و الاستقامة، كلُّ أوامر الله تعالى
معقولة، إذا طبق الإنسان أمرًا معقولاً تطبيق هذا الأمر المعقول تضعف فيه العبودية
لله عز وجل، أحيانا عدوُّك يعطيك توجيها في مصلحتك فتنفِّذه، فهل بِتَنْفيذِكَ هذا
تُطيعُ عَدُوَّكَ ؟ لا أبدًا، أنت تُحَقِّق مَصْلَحَتَكَ الذاتيَّة، أما حينما
تَضْعُف حِكْمَة الأمْر فلو قال الأب لابنِهِ: نظِّفْ أسْنانَكَ ! ونَم باكِرًا،
فهذا كُلُّه واضِح ولِمَصْلحة الابن، ولِمُسْتقبل الابن، أما إذا مَنَعْتَ ابْنَكَ
عن الأكل للطّعام الطَّيِّب ! فهذا غير مَعقول، فالأمر غير الواضِح، وغير العقلي
ترْتَفِعُ فيه نِسْبة العبودِيَّة، أما أن يقول الله عز وجل لإنسانٍ: اِذْبَح
ابْنَكَ !! فهذه أعلى درجات العُبودِيَّة لله عز وجل إن نفَّذَ الأمْر، وأن يضَعَ
زوْجَتَه وابْنَهُ في وادٍ غير ذي زَرْعٍ، وأن يذْهَب هو، فهذا هو التَّوَكُّل
المطْلق، والله عز وجل أعْطانا بِهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلَّم مثَلَيْن:
توَكُّل مُطْلق، قال تعالى
﴿
رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ
بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ
النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ
يَشْكُرُونَ(37)﴾ [ إبراهيم]
وقوله تعالى:
﴿فَبَشَّرْنَاهُ
بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ
إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ [الصافات]
هذه عُبودِيِّة مطْلَقَة، أما كلَّما كُلِّفْت
بأمْرٍ، قلتَ: إن لم أفْهم حِكْمَتَهُ فلا أقْبَل الأمر ! فأنت الآن تعْبُد
نفْسَكَ وليس الله تعالى، هذه الأوامِر التي تفْعَلُها لأنَّك قانِعٌ بها ليسَت
عِبادةً لله عز وجل، فهذا المَثَل دقيق جدًّا قال تعالى:
﴿فَلَمَّا
بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي
أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ
سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)﴾ [الصافات]
ما هذا الابن ؟! رؤْيا الأنبياء حق فهو لم يقل
له: افْعَل ما ترى في المنام، ولكن قال له: اِفْعَل ما تُؤْمَر ! وهناك نقْطة
ثانيَة، وهو الفِعل أر في قوله تعالى إنِّي أرى، وهذا يُفيد الاسْتِمْرار، فهو رأى
أوَّل مرَّة وثاني مرَّة، قال تعالى:
﴿فَلَمَّا
بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي
أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ
سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)﴾ [الصافات]
هذا هو المؤمن ؛ مُسْتَسلِمٌ لله عز وجل .. والله
تعالى يقول:
﴿مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ
قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا(23)﴾[ الأحزاب]
هذا هو الإيمان، قال تعالى:
﴿فَلَمَّا
أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)﴾ [الصافات]
لن تسْتطيعوا أن تعرفوا هذا الظَّرْف الصعْب
الذي عاشَهُ هذا النبي الكريم ؛ لأنَّكم تعرفون من قراءة القرآن حلَّ العُقْدة،
قال تعالى:
﴿قَدْ
صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)﴾ [الصافات]
ما كان يدور في خلَدِ إبراهيم أنَّ الله سبحانه
وتعالى سيَهْديهِ بِذِبْحٍ عظيم لذا قال سيِّدنا إبراهيم:
﴿إِنَّ
هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)﴾ [ الصافات]
لذا وَطِّنوا أنْفسكم إن كنتم مؤمنين على أنَّ
الله سبحانه وتعالى لا يمْنَحُكم عطاؤُه العظيم إلا بعد امْتِحانٍ دقيق، ولكن ليس
بِمَرْتبة هذا الامْتِحان فهذا الامْتِحان للأنبياء، فنحن لنا امْتِحانات
مُخَفَّفة ؛ كالمرض، أو ضيق ذات اليَد، أو مشْكلة في البيت، فهذه المشكِلات لا بدّ
منها.
قال تعالى:
﴿وَفَدَيْنَاهُ
بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ
عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(110)﴾ [الصافات]
كلمة مُحْسِن مُطْلقة ؛ فهو في البيت مُحْسِن،
وكذا في العَمَل، وفي بيْتِهِ ومع أصْدِقائِهِ، وفي صَنْعَتِهِ مُحْسِن، وفي
زراعَتِهِ، وكذا في تِجارَتِهِ وفي حزنِهِ وفَرَحِهِ، فهي تعني أنَّ عَمَلَهُ
طيِّب في أيِّ مجال.
قال تعالى:
﴿إِنَّهُ
مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ
الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ(113)﴾ [الصافات]
مِن ذُرِيَّة هذا النبي الكريم الذي هو أبو
الأنبياء ؛ مُحْسِنٌ وظالمٌ لِنَفْسِه ونحن مِن ذُرِيَّة إبراهيم عليه السلام ؛
محْسن وظالم لِنَفْسِهِ، أرْجو الله سبحانه وتعالى أن نكون مِن المُحْسنين
والحمد
لله رب العالمين