10 mar 2013

وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ


جديد
بسم الله الرحمن الرحيم
سنبدأ دورة تدريبية ربانية جديدة
هدفها هو إعادة بناء شخصيتنا الإسلامية
معتمدين في ذلك على وصايا رب العالمين ونداءاته لعباده المؤمنين.
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... في الحقيقة يؤلمني جدا أن يكون حالنا هكذا مما لا يرضي عدو ولا حبيب.. رغم أن عندنا في كتاب الله أسس ومبادئ لبناء المجتمعات الحرة العاملة العادلة والعابدة لله على مراد الله.. هذه الأسس والمبادئ هي كنوز حفظها الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم لأبناء عصرنا هذا.. لشبابنا الحائر بين هذا وذاك.. لبناتنا المسلمات واللائي سيصبحن أمهات المستقبل..
كل هذه الكنوز لا زالت حتى عصرنا هذا غائبة عن كثير منا.. ولكنها محفوظة في كتاب الله بأمر الله، وهذا من فضله  وعظمته ورحمته على كل خلقه بصفة عامة وعلى أهل عصرنا بصفة خاصة والعصور المقبلة.
من هذه الكنوز وسائل صيانة الإنسان وحفظ كرامته ومكانته بين كل خلق الله، ذلك لأن الله خلق الإنسان علمه البيان وأسجد له ملائكته وجعله سميعا بصيرا.. ووضع له كتالوج الصيانة.. وظل يرسل الرسل على مر الزمان بكل ما يحتاجه الإنسان ليصون كرامته ويرقى بإنسانيته.. حتى اكتمل نموه واصبح قادرا على الإبداع.. فأرسل الله خاتم الأنبياء والرسل عليه أفضل الصلاة والسلام ليتمم مكارم الأخلاق ..
يقول الدكتور النابلسي الدين هو الخلق.. ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان .. وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله ... لابد للإنسان لكي يتحلى بالأخلاق الإيمانية أن يتخلى عن كل ما هو سلبي فيه، مثل العادات السيئة والمعتقدات الخاطئة.. فلايمكن أن يجتمع الإيجابي مع السلبي ولا النور والظلومات.
بناء على كل ماسبق فكرت أن نعقد هنا في هذا المنتدى الموقر دورات تدريبية قرآنية ربانية لتصحيح مسارنا في حياتنا وإعادة بناء شخصيتنا الإسلامية الرائعة..
لذلك أرجو من كل من عنده الرغبة في التغلب على ما عنده من مشاكل من أي نوع.. وإلى كل من أراد أن يمضي في حياته الدنيا كجسر يعبر عليه ليصل إلى جنات النعيم .. وإلى كل من طحنته العادات السيئة والأفكار الدنيئة .. وإلى كل من أصابه الأحباط وجلس حزينا منتظرا ما لا يعرف إن كان خيرا أم شرا..
إلى كل هؤلاء أعرض عليهم قول ربهم لهم في كتابه والذي أرسل به نبيهم الذي به آمنوا، صلى الله عليه وسلم ... يقول الله تبارك وتعالى لكل هؤلاء :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران.
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
الآية لا تحتاج لشرح.. فهي والحمد لله واضحة وضوح الشمس في كبد السماء.. كل ما علينا هو أن نلبي نداء ربنا.. ونسارع إلى جنة عرضها السموات والأرض.. وذلك بأن نتقي الله في أنفسنا ونصحح مسار حياتنا لنقهر كل ما هو من شأنه أن يؤلمنا ويعذبنا ... مثل الخوف والقلق ونقص الأموال والأنفس وفشل الأولاد وانحرافهم وسقوطهم فيما لا يحمد عقباه....

لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) التوبة.
لهذا كل من يريد أن ينضم إلى مائدة الرحمن التى جاء بها خاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم عليه أن يسجل أسمه معنا.. وليفكر معي في أسم نطلقه على صفحتنا هذه.. والدعوة عامة ومفتوحة، وهي محاولة لتتعانق قلوبنا وتتشابك أيدينا وتتوحد وجهتنا فنحظى برضى الرحمن وتأييده لنا.. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا من أروع ما قيل في تاريخ البشرية:
قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ
كما قال ايضا صلى الله عليه وسلم :
مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى
[مسلم]
على هذا النهج سنسير بإذن الله .. متحابين في الله حقيقة.. ودليل هذا الحب أنك كلما استفدت شيئا أو إستطعمت شيئا مما تناولت من مائدة الرحمن فاجعل لأخوك في الإيمان نصيبا منه.
كما أنني فكرت أن نجعل لقاءنا مرة كل اسبوع.. نلتقي فيها كلنا .. نتعارف ونتناول بالفهم والتدبر ما رزقنا الله من رزق حسن .. فكل كلمة تقربنا إلى الله وتصحح مسارنا هي رزقا حسنا.. وهي من أحسن الأرزاق ..ثم بعد ذلك علينا أن نتعلم ديننا وذلك بالجلوس إلى العلماء والإستماع إليهم.. وبتدبر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .. ثم محاولة أن نقدم كل ما عرفناه وتدبرناه وعملنا به إلى كل من حولنا من إخواننا..
هذا وادعو الله لي ولكم بما فيه الخير لنا ولإسرتنا ولكل من يهمنا أمره.
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين الصادق الوعد الأمين المبعوث بالحق هدى ورحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم .. والحمد لله رب العالمين .




كلمتك هي عنوانك.. وهي تسبقك إلى حيث مستقرك الأخير والكلمة صنفها الرحمن إلى طيبة وخبيثة


  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) . البقرة.
النداء الأول من 88 نداء
الأثنين 28 فبراير
(2)
كلمتك هي عنوانك.. وهي تسبقك إلى حيث مستقرك الأخير
والكلمة صنفها الرحمن إلى طيبة وخبيثة
لا زلنا في النداء الأول عن قوة الكلمة وتأثيرها في حياتنا.. النداء في غاية الأهمية، تلبيتك لنداء ربك دليل إيمانك.. وقد اخترت ان نتحدث أولا عن أمر الله لنا ونهيه في قولوا ولا تقولوا .. حتى ندرك أهمية الكلمة في حياتنا.. وحتى نصل إلى تحقيق الإيمان بالله تحقيقا واقعيا في قلوبنا وحياتنا.. فهيا بنا نعرف ما قاله ربنا عن الكلمة..
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25). إبراهيم
وهناك شق آخر للكلمة.. في منتهى الخطورة.. كلمة مصير قائلها غضب من الله يقع عليه .. وتهوي به في نار جهنم والعياذ بالله ....
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) إبراهيم
 ليس لدينا في هذه الحياة مصدرا أو تصنيفا آخر للكلمة، وإن وجد فهو من كلام البشر، الذي يمحوه ويسحقه كلام الرحمن الرحيم فهو سبحانه وتعالى رب العالمين، كما يمحو النور الظلام ويقهر الحق الباطل..
إذا أخي في الله كل كلمة تقولها إما أن تكون طيبة، وإما أن تكون خبيثة، على فكرة الكلام الذي لا يوافق سريرتك، هو أخبث الكلام، مثلا أن تقول لشخص أحبك وأنت تكرهه، أو أن تمدحه بما ليس فيه، أو توافقه في قول خبيث كسب أو لعن أو ما إلى ذلك..
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى لْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا                                                                  وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)
أنت مسئول عن كلامك أمام الله، فاتقي الله فيما تقول، لا تسب ولا تلعن ولا تكذب فتخرج من النور إلى الظلومات، لقد ألزم الله المؤمنين كلمة التقوى، بمجرد أن تتقي الله في كل حياتك في كلامك وأفعالك أصبحت أهلا لكلمة التقوى وأنت أحق بها من سواك،
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
 الكلمة الطيبة من الله وهي لك نور تخرج بها من الظلومات.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) البقرة
والكلمة الخبيثة من الشيطان وهي ظلمة في قلب قائلها وحزن وكآبة وقنوط ويأس ومزيدا من الخبث والظلام .
عنَّ أبا هريرةَ قال عن النبي صلى الله عليه وسلم :
<< إنَّ الرجلَ لَيتكلَّمَ بالكلمةِ ما يُلقي لها بالًا ، يهوِي بهافي نارِ جهنمَ ، وإنَّ الرجَلَ لَيتكلَّمُ بالكلمةِ ما يُلقي لها بالًا ، يرفعُه اللهُ بها في الجنةِ>> صحيح.
****
الكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ
الراوي: أبو هريرة المحدث: ابن حبان - المصدر: المقاصد الحسنة -خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الآن وصلنا إلى نقطة في غاية الخطورة، إن أخذناها في اعتبارنا نستطيع أن نغير مسار حياتنا ونحول كل آلامنا وأحزاننا إلى العكس تماما، إلى الراحة والإطمئنان والهدوء وعدم القلق الذي يقتل الناس، دققوا معي في الآية التالية...
يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) الأعراف
كل هم الشيطان هو أن يكشف لك مساوئ أخيك الإنسان، فتكرهه، وخاصة القريبين منك، مثل أخاك أو زوجتك او صديقك، ربما يقول لك صاحبك كلمة لايقصد بها شرا، ولكن الشيطان يظهر لك الجانب الخبيث في كلمته لتكرهه وتتعارك معه، ويوقع بينكم العداوة والبغضاء.
إذا وسوس إليك الشيطان يمكن أن تستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فتنتهي القضية، لكن لو وسوس إليك شيطانك ولاقت وسوسته ميلا في نفسك،عشعش الشيطان بنفسك ولبدت نفسك به، وذلك بأن تروق لك فكرته الشيطانية، فتخرج من ولاية الله العلي العظيم إلى ولاية الشيطان، لذلك في صلاتنا يوسوس لنا الشيطان فلا نستعيذ فيظل معنا حتى تنتهي صلاتنا وتقذف بها الملائكة في وجوهنا...
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) الأعراف.
هناك بعض المؤمنين عندما يوسوس لهم الشيطان يحدث معهم شيئ عجيب وفي منتهى القوة، تابع معي تكملةالآية:
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) الأعراف
الشيطان لا يقترب منهم، ولكن يطوف عليهم من بعيد فيرميهم بأفكاره الخبيثة، ولكن من كان في عصمة الله وقلبه وعقله عامر بنور الله فإنه لايقع في مكر الشياطين. يرى محاولات الشيطان الخبيثة واضحة أمامه فيجتنبها.
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)إبراهيم.
أترككم اليوم مع هذه الآية الكريمة تتفكرون فيها، وتتدبرونها، فإن كان إيماننا بالله قوي سنجد أنفسنا ثابتين على الحق، لا يزعزنا عنه شيئ من الدنيا، ولن نتركه أبدا إلى الباطل، لأن الذي تعود أن يعيش في النور لا يستطيع الحياة في الظلام.
الكلمة السيئة الخبيثة أصلها فكرة من شيطان خبيث، يقدمها للإنسان في أحلى زينة وبريق ضمن كلمات رنانة، فننخدع ونتبعها بغباءنا فنخرج من النور إلى الظلومات... والأسوأ من هذا أننا إن لم نتوب بسرعة ونعود إلى الله تائبين نادمين مستغفرين، نصبح ممن تولاهم الشيطان لأنهم خرجوا من ولاية الرحمن.
اللهم فاطر السموات والأرض،عالم الغيب والشهادة، رب كل شيئ ومليكه اشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه...
هذا دعاء اترككم في رحابه لتدعون به في الصباح وفي المساء فيقيكم الله شر أنفسكم وشر الشيطان الرجيم

الكلمة وتصنيفها من العلي العظيم الذي خلق الإنسان علمه البيان


الدرس الثالث
 في الكلمة وتأثيرها في حياة الإنسان
الخميس 7 مارس
***
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)
{ أول نداء وأول أخلاق القرآن }
الكلمة وتصنيفها من العلي العظيم الذي خلق الإنسان علمه البيان
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) إبرهيم.
ثم نجد في نفس الآية المكافئة العظيمة من العلي العظيم، تابع معي رحمك الله
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)
إذا أخي في الله، لو حسنت كلامك، واتقيت الله فيما تقول وتفعل، كان ثوابك من الله أن يثبتك بالقول الثابت، والقول الثابت هو الحقيقة الثابتة مثل لا إله إلا الله ، والقول الثابت هو كل كلمة طيبة ترضي الرحمن، والقول الثابت هو الحكمة البالغة البالغة، والقول الثابت يسكن القلوب الطاهرة النقية التقية، والقول الثابت نافذ ومطاع، والقول الثابت هو ما يصبو إليه كل حكيم.
نصيحة في غاية الأهمية:
وجب عليك أخي في الله أن تحفظ هذا النداء لكي يساعدك في تقربك إلى الله، وفي تطهير قلبك وعقلك وذاكرتك من حشو الكلام الذي لا يدل إلا على توافه الأمور، وهو ليس طيبا..
ففي الدرس الأول والثاني عرفنا أن الله تبارك وتعالى قد قسم الكلام كله إلى طيب وخبيث ولا ثالث لهما، وعندما نقوم بخلط الطيب مع الخبيث أصبح الشيء كله خبيث..
هنا بتتبعنا وبفهمنا لهذا النداء الأول، والذي وضع لنا فيه المولى تبارك وتعالى أول أخلاق القرآن، التى كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنحاول أن نمتنع أولا عن النطق بأي كلمة فيها شبهة خباثة، وهذا معناه أننا سنبتعد ولا نقترب من الفواحش ما ظهر منها وما بطن...
لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه
 لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيملسانه ، ولا يستقيم لسانه ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه
الراوي: أنس بن مالك المحدث:الألباني - المصدرصحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم:2554
خلاصة حكم المحدثحسن

والآن سنعيش مع بعض الحوارات القرآنية السلبية والإيجابية.. حتى نلمس بأنفسنا نتيجة الكلام الخبيث، وأثر الكلمة الطيبة عندما يتفوه بها من آمن بالله قاصدا وجهه الكريم:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) البقرة.
                                أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
أول مصيبة وقع فيها الشيطان، عندما أمره ربه بالسجود، فأبى واستكبر، أول مصيبة هي الإستكبار الذي يجعلك تأبي أي ترفض أي أمر حتى ولو كان في صالحك..
ومن الآية التالية سنعرف مادار في نفس الشيطان الرجيم...
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) الأعراف
أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ
فكر، ثم قارن، ثم بحث وحلل، وربما تسرع فقرر، ثم قال كلمة الكفر والعصيان، وهذا هو السلاح الذي يستخدمه ضدنا نحن البشر..
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) الإسراء
لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا
الله يجازيه عنا كل خير الدكتور محمد هدايا، لقد شرح هذه الآية شرح لغوي وشرح قرآني قوي جدا، قال يحتنكن { من الحنك } وهي تلك القطعة الحديدية التى يضعها الفارس في حنك الحصان ليتم التفاهم بينه وبين فرسه،  فبمجرد أن يعطيه إشارة عن طريق اللجام والحنكة التى في فمه يفهم الحصان أو الفرس غرض صاحبه، فيدور يمينا أو يسارا أو يكف عن الحركة...
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) إبراهيم.
وهذا هو ما يفعله الشيطان معنا والعياذ بالله من الشيطان الرجيم، هل رأيتم، كيف تنصل الشيطان الرجيم من أولياؤه الذين اتبعوه؟ قال : { وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ }، ولكن كيف يدعو الشيطان ضحاياه؟
إنه يقدم لهم الفكرة البراقة، ذات البريق اللامع، والتى تناسب هوى الضحية، تحب المالي فيأتيك بالحيل للحصول عليه، تحب الجمال فيلفت نظرك لكل جميلة تمر بجانبك فتزني بعينيك أولا وقد يتطرق الأمر إلى أكثر من ذلك، وإن كنت تحب السلطة فيزين لك أصدار الأوامر والتحكم في الناس حتى تقع في القسوة والغلظة والظلم، الشيطان يدعو ضحاياه بأن يقدم لهم الأفكار الخبيثة.. التى هي أصل الكلام.. فكل كلمة كانت في الأصل فكرة..{ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ }. كل كلمة كانت في الأصل فكرة.
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله، لكي تعرف الفارق بين وسوسة الشيطان وسوسة النفس، فإن الشيطان يوسوس لك بفكرة معينة، عندما ترفضها يأتي لك على الفور بفكرة اخرى، فقد يوسوس لك بالسرقة أو الرشوة وأنت بطبعك أمين فترفض، فيأتيك بما تحب وتهوى ويوسوس، ثم لا ييأس كلما رفضت فكرة خبيثة جاءك بأخرى حتى تصيب فيك نقطة ضعفك.. والحل في مثل هذه الحالة هي قول الله عز وجل:{ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)الأعراف }.
أما النفس فهي إذا أمرتك بمعصية فإنها تصر عليها، ولا تبرح حتى تقع فيها، وتستعمل في ذلك كل الحيل وتمكر مكرا قد تزول منه الجبال، مثلما فعلت إمرأة العزيز مع سيدنا يوسف عليه السلام. الحل هنا هو دعاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم: { اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه}.
 وهناك آية ينصحنا فيها ربنا بالطريقة المثلى التى تجنبنا الوقوع في مثل هذه المصائب،  يقول المولى تبارك وتعالى :
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
قبل أن ندخل في نزغ الشيطان، فلنتدبر أمر الله لنا، بأن نقول دائما التى هي أحسن، أما عن لماذا، فهذا ما سوف نفهمه من تكملة الآية:
إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) الإسراء
ينزغ بينهم، دائما هو بين الناس، ينزغ بمعنى يشير إليه بشيئ معين خبيث مثله، ولكنه من كثرة إلحاحه وتزيينه للمعصية فيقع ذلك على ضحيته كالنزغ الذي يصيب المريض عندما ينزغه الألم، وذلك ليوقع بين الناس..
أخي في الله اليس هذا ما يحدث بيننا دائما، فيوقع الشيطان بيننا وبين أقرب الناس إلينا؟ كن صريح مع نفسك وقبل أن تنطق بالكلمة من غضب الله والتى هي من نغز الشيطان، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ..
وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي
لقد وضع الله تبارك وتعالى في سورة يوسف كل طبائع البشر، وكل ملكات النفس وغرائزها، وإن أردت أن تعرف نفسك على حقيقتها فاقرأ سورة يوسف مرات ومرات حتى تكتشف أي نوع من أنواع النفوس تلك التى تعيش بين جنبيك.
تمرين هذا الدرس هو الإستغفار، عندكم على هذا الرابط في عمرو خالد دروس غنية جدا عن الإستغفار، إن أراد أحد من حضراتكم نسخها ونقلها هنا في منتداكم الموقر:
استغفروا الله حتى تسكن كلمات الإستغفار قلوبكم وعقولكم وتطرد من ذاكرتكم الكلمات الخايبة، التى تغضب ربكم، وتذكروا أننا سنعمل دائما على ثلاثة محاور رئيسية وهي:
العقل.. الذاكرة..التقوى{ سندخل على تقوى الله بعد تجهيز عقولنا وتطهيرها من كل ما سوى الله وكذلك ذاكرتنا}.نفعل ذلك تمهيدا للحصول من العلي العظيم على أعلى شهادة في الكون، شهادة أننا عاقلون.وذلك بعد تطبيق بعض النداءات التى وضع الله بها الأخلاق التى يجب أن نكون عليها حتى نستطيع أن نطبق وصاياه التى قال في أول خمسة منها:
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) الأنعام.
وحتى  لقاءنا في الدرس القادم إن شاء الله استودعكم الله آماناتكم ودينكم وكلامكم الطيب.. وأدعوه أن ييسر لك حفظ هذا النداء المبارك من الله والعمل به ..
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واخرجنا برحمتك من ظلومات الجهل والظلم إلى أنوار العلم والمعرفة.. وزدنا اللهم علما وإيمانا وهدى وتقوى.. وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين .