20 jun 2013

سلسلة مقالات عن المودة والرحمة بين الزوجين للدكتور/ النابلسي

وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
شريك حياتي.. 20/6/2013
سنتابع هنا بإذن الله تعالى سلسلة مقالات عن شريك حياتي.. والمشاكل التى نواجهها في حياتنا الزوجية.. ومشاكل أبناءنا.. وسنبدأ بسلسلة مقالات ودروس لفضيلة الدكتور النابلسي .. وأولها اليوم وهي عن العقل.. فالعاقل هو الذي يستطيع أن يستخرج الكنوز الدفينة التى وضعها رب العزة ذو الملكوت والجبروت في النفس البشرية.. فتابعوا معنا يوميا بإذن الله تعالى والحاضر يعلن الغائب فرب مستمع أوعى من مبلغ.. وهذه هي أول صفات المؤمن أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
فضل العقل في حياة الإنسان
محاضرة للدكتور النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة الكرام:
موضوع الدرس اليوم فضل العقل ، الآيات التي تحدثت عن العقل بشكل أو بأخر تقترب من الألف ، والعقل أصل في الدين ، إلا أن العقل يختلف من إنسان إلى آخر ، لذلك نقول العقل الصريح ، هناك عقل تبريري ، وهناك عقل مرتبط بالأهواء والمصالح ، الإنسان كائن منطقي يفلسف عمله ، يفلسف انحرافه ، يفلسف طغيانه ، يفلسف جريمته ، فالعقل متبدل ومتغير من إنسان إلى آخر ، فإذا قلنا العقل فقط قد يكون عقل إنسان يخالف مصلحته ، ولكن الذي أتمنى أن يكون واضحاً لديكم أصل العقل العقل الصريح ، هذا الجهاز الخطير الذي أودعه الله فينا ، يجب أن يتوافق مع الشرع مائة بالمائة ، ذلك أن الشرع من عند الله ، هو النقل ، والعقل مقياس أودعه الله فينا ، والنقل من عند الله ، والفرعان إذا اتحدا في أصل واحد فهما متساويان ، لذلك ليس غريباً أن يؤلف أحد كبار العلماء كتاباً قيماً في حتمية توافق العقل مع النقل.
هل يعقل أن يعطنا الله مقياساً لو أعملناه في وحيه ، لوجدناه غير صحيح ؟ مستحيل، لأن العقل من صنع الله ، والنقل وحي الله ، إذاً لابد من التوافق ، لذلك بعض العلماء كتب كلمات رائعة حول العقل أردت أن أنقلها لكم مع الشرح ، قال:
اعلم أن لكل فضيلة أساً ، ولكل أدب ينبوعاً ، وأس الفضائل وينبوع الآداب هو العقل ، يعني إنسان مخلوق في دنيا محدودة ، أما هو يعد لحياة أبدية ، فالعقل يقتضي أن تتنعم في هذه الحياة الدنيا وتخسر الآخرة أم أن تتنعم إلى أبد الآبدين في جنة الله عز وجل ، العقل يقتضي أن تعمل للآخرة ، لذلك العلماء قالوا: ما من إنسان يعمل للدنيا وينسى الآخرة إلا وهو في الحقيقة مجنون ، ولو كان يحمل أعلى شهادة ، تفوقه العلمي يسمى ذكاءً ولا يسمى عقلاً ، ولكن حينما غفل عن الحقيقة الكبرى في الكون ، وغفل عن الآخرة ، وغفل عن سر وجوده إذاً هو مجنون والآية الكريمة:
﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) ﴾
( سورة القلم: 1 ـ 2)
أنت أعقل العقلاء ، لذلك لما رأى النبي مجنوناً في الطريق سأل أصحابه سؤال العارف ، من هذا ؟ قالوا هذا مجنون ، قال: لا هذا مبتلى المجنون من عصى الله ، يجب أن تؤمن ، وأن تعتقد بكل ذرة في كيانك ، أن هذا الذي لا يصلي ، ولا يتعرف إلى الله ، وهو غارق في المعاصي والآثام مجنون ، ولو كان يحمل أعلى شهادة ، وأن هذا الذي يغتصب أموال الناس هو يتوهم نفسه شاطراً ذكياً ، لا ، هو أحمق لأنه سوف يسأل عن كل ذرة.
﴿ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8) ﴾
( سورة الزلزلة: 7 ـ 8)
قال العقل الذي جعله الله للدين أصلاً وللدنيا عماداً ، إنسان عاقل يعيش حياة هادئة، حياة فيها سلامة ، فيها سعادة ، أنه أخذ ما له ، وترك ما ليس له ، تحرك بحجمه ، بنى علاقاته بوضوح ، فالناس أحبوه وكسب مال حلال ، وأسس أسرة ، وربا أولاده ، تجد إنسان استعمل عقله في الآخرة فكسبها ، استعمل عقله في الدنيا فربحها ، فقال جعله الله تعالى للدين أصلاً ولدنيا عماداً.

أيها الأخوة: يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام:
‏(( ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى وما تم إيمان عبد ولا استقام دينه حتى يكمل عقله ))
(أخرجه ابن المجبر في العقل وعنه الحارث بن أبي أسامة‏)
الإنسان غير العقل يشقى ويشقي ، حدثني صديق وزميل في العمل عنده زوجة يحبها حباً جما ، إلا أنها لا تنجب ، وهو غير مستعد أن يفرط بها ، وفي الوقت نفسه طاقت نفسه لولد يرثه من بعده ، ففاجأته زوجته التي لا تنجب بأن خطبت له دون أن يطلب منها ، خطبت له فتاةً لعل الله عز وجل يكرمه بولد منها ، هو مكافأة لها على هذه البادرة الطيبة اشترى لها من الحلي ما اشترى لهذه الزوجة الثانية ، وأكرمها إكراماً منقطع النظير ، ثم أن الزوجة الثانية أنجبت ، أقسم لي بالله وهو عندي صادق قال لي: مضى على زواجي من هذه المرأة الثانية أكثر من خمسة عشرة عاماً ولم تقع في البيت ولا مشكلة ، قال لي البنت حينما علمت أن هذه الزوجة الأولى هي التي خطبتها أحبتها ، والزوجة الأولى في مكانتها العلية.