( 2 )
مكانة المرأة في كتاب الله
***
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي أشرف
المرسلين المبعوث بالحق هدى ورحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم ..
نواصل هنا رحلتنا مع المرأة في كتاب الله.. ذلك
المخلوق العظيم الذي حار علماء الأرض في معرفة قدرتها الرهيبة التى هي سر تقدم
الحياة، وهي سر نجاح الرجل في مهمته الأولى وهي إعمار الأرض، والرجوع بأسرته من
حيث أتى .. فقد خلقه الله سبحانه وتعالى بيديه في جنة النعيم{ آدم عليه السلام }
ثم جعل سبحانه وتعالى آمانة إستمرار الخلق في رحم المرأة، وحملها مسئولية الحفاظ
عليه { وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ }...
عندما أبدأ الكتابة في هذا الموضوع أشعر بحنين
شديد إلى أمي..رحمها الله.. كم عانت وكم ضحت وكم تحملت وكم كانت رحيمة حنونة وطيبة
زكية...
في هذه السلسلة سنعيش مع ما قصه علينا الرحمن
الرحيم عن الأمهات أولا، ثم مع الأبنة ثم مع الأخت ثم مع الزوجة ثم مع المرأة
عموما ملكة وخادمة .. ولم يحرمنا الله تبارك وتعالى من ذكر الخالات والعمات
والنساء عموما.. وسنلمس ونعرف ونعيش قيمة المرأة.. فقد صدق من قال وراء كل عظيم
إمرأة عظيمة...
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ
وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا
مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) آل عمران.
يا لروعة الأسلوب القرآني، أنه يجعلك تعيش معه
وتستمع بكل كلمة، بل بكل حرف، بل إنه يملأنا عز وفخرا وحبا وحيوية، ويزيدنا نهما
وشوقا لمعرفة الحقائق الخالصة التى لا تقبل الريب ولا يرتابها شك، فهو روح وهو
كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه...
قبل أن يقص علينا ذو الملكوت والجبروت والعزة
والكبرياء، قصة أم مريم عليهن السلام، يخبرنا بجذورها المصطفاة منذ آدم عليه
السلام....
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ
وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ
أربعة جزور.. أربعة أركان.. أربعة عائلات... آدم
ونوحا وآل أبراهيم وأل عمران.. ليخبرنا أنها ذرية بعضها من بعض...حتى نعرف ونتأكد
أن الأصل الطيب يتصل ويدوم إلى يوم الدين...
فهنئا لكل أم حافظت على جذور أصلها الطيب، فتظل
كشجرة تنتج الثمار حتى تقابل ربها وفلذات
أكبادها ينتظرونها على باب الجنة... هنيئا لكل أم تعلمت دينها وعلمته لأولادها.
إِذْ قَالَتِ
امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا
فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)
هذا أول خاطر طيب من نوعه في تاريخ البشرية، إمرأة
عظيمة من أصل طيب ، فهي من ذرية آدم عليه السلام الذي خلقه المولى تبارك وتعالى
بيده، ثم أسجد له ملائكته، ثم سخر له ما في الكون جميعا، ونوح عليه السلام الذي ظل
يدعو قومه 950 سنة ليؤمنوا، كم كان صابرا، وحليما، وشجاعا، ومخلصا لله العلي
العظيم، ثم آل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، خليل الرحمن، ثم آل عمران.. مجرد سماع
اسماءهم ينشرح صدري.
رَبِّ إِنِّي
نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا
قلبها الطاهر، ونفسها العفيفة، وأصلها الطيب، كل ذلك جعلها تفكر في الطريقة
المثلى ليستمر كل ذلك لعائلتها، كانت تعرف أنها من ذرية أشرف الخلق، ذرية أصطفاها
الرحمن الرحيم، كانت تشعر بطهارة آدم وبراءته، وصبر نوح وشجاعته، وقرب إبراهيم من
ربه، ثم زوجها عمران عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام..
ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)
بعاطفة الأمومة، أرادت أن تكون ذريتها أستمرارا
لمحبة الله والإخلاص له.. استمرارا للنخبة
المصطفاة من عباد الرحمن، فنذرت ما في بطنها محررا.. محررا من كل ما سوى الله، أن
يكون ما في بطنها خالصا لله كما كان أجدادها عليهم السلام ...
فَلَمَّا
وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا
وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي
أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)
يخاطب الله تبارك وتعالى كل زوجة، وكل أم أن تسلك
نهج إمرأة عمران، أن تعيذ أولادها من الشيطان الرجيم، أن تخلص النية لله، وأن يكون
أولادها طيبين طاهرين عابدين لله رب العالمين، فيسبقونها إلى جنات الخلد والنعيم.
وَإِنِّي
سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ
الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)
يجب أن نعيذ أولادنا من الشيطان الرجيم، أن
نحصنهم بالإسلام، ليس فقط بأن نأمرهم بالصلاة ، ولكن أن تكون كل أم مخلصة لله
وتستعيذ بالله العلي العظيم من الشيطان الرجيم، وتحصنهم بحصانة الإسلام والإيمان
بالله العلي العظيم، لابد للأم أن تحتضن أولادها، وترضعهم الإيمان بحسن تعاملها
وتصرفاتها أمامهم، لابد من أن تسقيهم الإيمان كما تسقيهم من لبنها..
فَتَقَبَّلَهَا
رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا
زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا
رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)
تقبلها ربها بقبول حسن.. وهكذا سيكون الأمر مع أي
أم تهب أولادها لمن خلقهم.. لله العلي العظيم .. فينبتهم ربهم نباتا حسنا.. وكأنها
شجرة طيبة مباركة تؤتي ثمارها كل حين بإذن ربها..
وَكَفَّلَهَا
زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا
رِزْقًا
لابد من كفيل صالح، لابد للأب من أن يكون صالحا،
حتى يستطيع أن يكفل النبت الطيب، ولابد من أن يكون الأب أو الكفيل على درجة من كبيرة
من الإيمان حتى يسقي نبته من نفس الماء الطاهر..
قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ
هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)
لابد للأب أن يسأل من أين لك هذا، حتى يطمأن على أولاده بأنهم
لم يقترفوا مالا من حرام..وهذا ما قد افتقدناه في وقتنا هذا، ربما السبب هي
الرشوة، أو الحصول على المال بأي وسيلة.. لهذا نرى ما نرى في مجتمعاتنا، ولكننا
الآن قد عرفنا ما يجب علينا فعله، أن نتوب إلى الله وأن نعيذ أولادنا من الشيطان
الرجيم.
هذه كانت قصة أم عظيمة، خلفت أبنة صديقة جعل منها
الله تبارك وتعالى مثلا للصلاح والطهر والعفة والبركة وآية كبرى تدل على عظمة
الخالق العظيم سبحانه وتعالى...
ليتنا نتعظ من تلك القصص.. تابعونا فلا زال كتاب
الله مكتظا بالكنوز والعظات..وإلى اللقاء القادم إن شاء الله مع مريم إبنة عمران،
التى جعلها الله سبحانه وتعالى آية للعالمين، عندما بدأ عقل الإنسان يتطور ويكتمل
نموه، بدأ يسأل كيف يحي الله الموتى؟ وكيف يخلق الله من لا شيئ؟ فأجاب الله تبارك
وتعالى خلقه بأن جعل فيهم آية الخلق.