24 nov 2012

الهم ينسينا أنفسنا ويسبب لنا التعاسة والأحزان


الهم وما يفعله بنا
" من كانت همه الآخرة ، جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا راغمة ، ومن كانت همه الدنيا ، فرق الله عليه أمره ، وجعل فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له "
الراويزيد بن ثابت المحدثالألباني المصدرصحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6516
خلاصة حكم المحدثصحيح
لابد لنا من معرفة ما يفعله بنا الهم.. وأول ما يجب أن ندركه ونعرفه ونعيه ولا نفرط فيه، هو ما جاء بالحديث أعلاه....
فلننظر إلى حياتنا ونرى أين نحن؟ هل نحن في صعود وإرتقاء أم في هبوط وإنحطاط؟ فإذا وجدناأنفسنا في صعود وإرتقاء فنحمد الله ولنتمسك بأسباب الرقي ونستزيد منها ونطلب الزيادة في الهدى والغفران من العزيز الحميد..
أما إذا ما وجدنا أنفسنا في إبتلاء ومشاكل وعدم راحة ، فهذا معناه أن الهم هبط بنا إلى أسفل، وفي اسفل لا يوجد إلا الظلام، وكل ما هو ضال، ثم نفاجئ بضيق الرؤية وصعوبة التنفس، فتضيق أنفسنا ويضيق صدرنا وينقبض....
ولو حاولنا تدبر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بشيئ من التروي وإمعان النظر في الحديث، لوجدنا الحل لكل مشكلاتنا...
ولكي نفهم المقصود من هذا الحديث جيدا سأضيف آية تجعل من هذا الحديث سهل الفهم والتطبيق، والآية مع الحديث يكمن فيهم راحة بالنا والحل لكل مشاكلنا النفسية والعاطفية والمادية.... فدققوا معي أثابكم الله ورحمكم ...{ ولكن عليكم أن تتذكروا جيدا أن العودة إلى أعلى لن يكون إلا بالإستغفار والندم وعقد النية على عدم العودة }.
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) الأنفال
عندما يغير الله شيئا في حياتك هذا معناه أنك أنت الذي قمت بهذا التغيير... لقد غيرت ما بنفسك، نواياك، أو أفكارك، أو عقيدتك، أو أخلاقك، أو صدقك، أو صدقتك، أو قطعت رحمك، أو ظلمت أحدا...
وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
ختم الله الآية ليقطع على الإنسان طريق الشك ويبطل حججه الكاذبة، فقال سبحانه :{ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يسمع كلامك، ويعلم ما بنفسك... وسأذكركم بآية أخرى تقطع الشك باليقين: { وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) سورة الملك}.
الآن نستطيع كلنا أن نقيس على ذلك كل ما نجده في حياتنا العملية واليومية، عندما تزول عنا أي نعمة ولو بسيطه، مثل الصحة، الحب، الراحة، البركة، الصلاح، حسن الخلق، نعم فعندما تسوء أخلاقنا فهذا معناه أننا غيرنا ما بأنفسنا،
 أخي في الله قد يحدث لك هذا التغيير بداخلك دون أن تدري.. وربما سألنى أحد وكيف ذلك؟
سيجيب على هذا السؤال العزيز الجبار المتكبر الذي لا إله غيره في السماوات والآرض وهو السميع العليم .... يقول المولى عز وجل في محكم آياته:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) الحشر.
نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ
تهتم بالدنيا، يزين لك الشيطان مغريات الحياة، فتنسى وتتبعه، وهذه العملية تماما مثل الذي يسبح في نهر ولا يجيد السباحة، فيلقي بنفسه في النهر أو البحر ثم يسحبه التيار إلى أعماق بعيدة...
ولكن أطمأن فإن الله جعل من نفسه سبحانه وتعالى المغيث الذي يغيث الناس وينقذهم من ظلومات أنفسهم، فهو غافر الذنب قابل التوب، كل ما عليك في هذه الحالة، { عندما تغرق في المشاكل والهموم والمعاصي والأحزان} كل ما عليك هو أن تغير ما بنفسك، تغير أفكارك ونواياك ثم تستغفر ربك وتتوب إليه،  فينقذك في التو والحال، ودليل كلامي الآية التالية:
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) الرعد.
غير ما بنفسك، أنزع ما في عقلك من تعلق بالباطل، وحرره من الإستعباد ومن الأسر ومن الغزو الفكري، ولا تجعل فيه سوى ربك الذي أمرك بيده سبحانه، هو الذي خلقك، وبيده سعادتك او شقاءك، وذلك لله وحده، ليس لأحد من خلقه، قد تحبك أمك ويضحي من أجلك أبوك، ولكن الله هو الذي سخر لك حب أمك وتضحية أبوك..
الآن دققوا معي... لقد وصلنا إلى غاية كبرى، فيها نجاتنا، ولكن يجب أن نعيشها بقلوبنا، ولكني سأتركها حتى اللقاء القادم ... فلا أريد أن تتوه في رؤسكم معنى واحد من معاني كلام الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ...
وهكذا اترككم في رعاية الله، وحتى نلتقي في المرة القادمة عليكم بالآتي، الإستغفار من القلب مع إستحضار عظمة الله والإعتقاد يقينا بغير ذرة شك أنه هو سبحانه سينقذنا مما نحن فيه ونعاني منه...
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى عليكم بفعل الخيرات، تصدق بشيئ يوازي حجم المشكلة التى عندك، بشيئ تحبه ، قم بزيارة مريض، صل رحما مقطوعة، قم الليل، تفكر في خلق الله، قدم مساعدة لمن يحتاج، أرحم مصاب، قدم له العون، إماطة الأذى عن الطريق، معاملة جيرانك معاملة حسنة، تصالح مع ربك وادعوه أن يعطيك القدرة على أن تتصالح مع الناس، أغفر لمن ظلمك واعفو عنه... كل هذه مسائل تقربك من الله العلي العظيم... قبل يد ابويك، تصدق ولو بشق تمرة...
ثم بعد ذلك عش مع كلام الله تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ... واستزيد من استغفارك ومن الحمد والشكر يزيدك الله من فضله....
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه... وخلص هذا العمل لوجهك الكريم، وخلص نفسي من كل غاية تحجب عني رضاك وعفوك والقرب منك..
وصل اللهم وسلم وبارك على سيد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين.
السبت24/11/2012 في المرة القادمة سنتحدث إن شاء الله عن كيف نتغلب على كل ما بنا من هموم ومشاكل، وأحزان... ولكن ساعدوني بكثرة الإستغفار من قلوبكم وبنزع كل فكرة باطلة من عقولكم...