بداية الزمان كما
صورها الرحمن
ونهاية مطاف
الإنسان
بسم الله الرحمن الرحيم
من رحمة المولى عز وجل بالإنسان .. أن صور له كل الماضي، من
تاريخ الأمم السابقة..وكل الأحداث الكبيرة والمهمة والتى غيرت حياة الأمم تغيير
شامل.. وأيضا أعطى صورة مشرقة بالأمل للحاضر الذي نعيشه، ثم صور لنا نهاية المطاف
في الحياة الدنيا تصوير دقيق ومؤثر جدا في كل النفوس..
وكل ذلك من الماضي{ تاريخ
الأمم السابقة} والحاضر{ حاضر كل إنسان في العصر الحالي.. إهتماماته، طموحاته،
وأهدافه،} بل وصور لنا الحالة التى عليها كل الخلق، من سعادة وشقاء.. ثم في
النهاية يصور لنا نهاية الدنيا.. تصوير دقيق ومخيف.. صادق وأمين.. بغير مبالغة أو
تزوير.. وكل ذلك في سورة صغيرة من سور القرآن الكريم،.. إنها سور الفجر...هيا بنا
نعيش معها لحظات.. فمن بعدها ربما استطعنا أن نحدد طريقنا الصحيح إلى النجاح و
الفلاح في الدنيا والآخرة...
يقسم المولى عز وجل بخمسة
أشياء، يقسم بالفجر.. وهو قسم في غاية العظمة والأهمية.. فالفجر يعلن عن بداية يوم
جديد من عمرنا.. يسعد فيه من سعد، ويشقى فيه من شقي، ويقسم المولى عز وجل بالليالي
العشر وبالشفع والوتر، وبالليل إذا يسر... لست هنا مفسرا للآية.. ولكن فقط أريد
منك عزيز القارئ أن تعيش هذه اللحظات من الحياة لأنها تحمل من الأهمية بمكان حيث
أقسم بها الخالق العظيم { سبحانه } .
هناك ملايين من الناس
ينتظرون بذوغ الفجر لينطلقوا إلى عملهم.. وهناك ملايين أخرى يعيشون هذه اللحظات
الفارقة.. التى تفرق بين سكون الليل و ضجيج النهار.. يعيشونها وهم يصلون ويسبحون
ويذكرون ربهم..
كما أن هناك ملايين الملايين من الحيوانات
والحشرات يخروجون للبحث عن رزقهم مع أول ضوء ..إذا ففي الفجر ينقسم فيه العالم
أجمع إلى قسمين، قسم عابد لله ذاكرا ومسبحا له، أو ساعيا إلى شيء من فضل الله،
والقسم الآخر قد غفل عن تلك اللحظات فهو إما غارق في النوم ، أو لاهيا غافلا عن
ذكر الله.{ أو غارق في المعاصي }.
كما
ٌيقسم المولى عز وجل بالليالي العشر.. قال علمائنا الكرام أنها العشر من ذي
الحجة.. فهي ليال مباركة محببة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن سار
على نهجه، وبعضهم قال أنها العشر الأواخر من رمضان.
كما يٌقسم
العلي العظيم بالشفع والوتر،ثم يقسم بالليل إذا يسر.. عندما يدخل الليل رويدا
رويدا.. وكما أن النهار له ما له من أهمية، فإن الليل لا يقل أهمية وانتظارا.. فيه
نرتاح.. وفيه نستشعر لحظات الهدوء والراحة.. وفيه نجتمع بمن نحب من أهلنا، وفيه
يحصل المؤمن على تشريفه من الله بقيام الليل، ثم يوجه الخالق الواحد القهار سؤلا
لمن خلق من الإنس والجن:..
هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)؟
يسأل
المولى عز وجل هل في كل ما أقسمت به كفاية لمن لديه عقل لكي ينتبه ؟؟
إذا المولى سبحانه وتعالى
سيقص علينا شيئا في غاية الأهمية .. لذلك أقسم سبحانه بأشياء خمسة، وهي من أعظم
الأشياء والتى يعرفها الكبير والصغير من الجن والإنس.. ثم يوجه سؤاله .. هل هناك
من يعتبر ..هل هناك من سيعطينى إهتمامه ويستمع ليتعظ.. هل هناك عاقل يسمعنى ؟؟
نعم يارب العالمين .. كلنا آذان صاغية.. لك
الحمد ربي حتى ترضى.. حمدا للطفك ورحمتك بنا.. أخذتنا الدنيا وغرقنا في المعاصي..
وها أنت تنادينا لتدلنا وتمد لنا حبل النجاة ..
هل قلتم معي لبيك ربي وسعديك .. هل قلتم معي كما قال الأولون
سمعنا وأطعنا..إذا فلنتابع ونرى ماذا أراد بنا ربنا:..
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ
بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي
الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا
الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي
الْأَوْتَادِ(10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)
هنا يصور لنا المولى تبارك
وتعالى المصير التى صارت إليه الأمم السابقة، وكيف كانت قوتها وحضارتها وظلمها، ثم
كيف أنتهت...نحن هنا أمام تاريخ حقيقي، غير مزور، وليس به لبس ولا نفاق، تاريخ
يقصه علينا العلي العظيم، خالق الخلق، قال عن أرم ذات العماد أنها لم يخلق مثلها
في البلاد.. هل كانت أكبر مدن الكرة الأرضية؟ هل كانت اقوى وأعظم من أمريكا؟ هكذا
أخبرنا المولي عز وجل، لأن كلمة يخلق هي فعل مضارع، ودقة التعبير القرآني لايمكن
لأي عاقل أن يساوره شك فيها.
الآن ما سيأتي هو الأهم ..
فأرجو أن ندقق وننتبه..
فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ
رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)
هذه نقلة كبيرة وفي غاية
الأهمية .. الآن المولى عز وجل يحدثنا عن إنسان هذا العصر والعصور المقبلة.. ذلك
المخلوق العجيب الذي خلقه بيده وجعله خليفة في الأرض وأسجد له ملآئكته.. خلقه
سميعا بصيرا، وذو إرادة حرة، وعقل هو من أعظم المخلوقات الظاهرة على وجه الأرض..
يحدثنا سيدنا على ابن ابي طالب رضي الله عنه، عن العقل عندما سألوه عن أكبر
المخلوقات الظاهرة على الأرض، فقال هم عشرة:
1.
الجبال الرواسي. {{ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)}} .
2. الحديد يقطع
الجبل. .{{ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ
وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ(10سبأ }}
3.
والنار تأكل الحديد .{ حَتَّى يَأْتِيَنَا
بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ}.
4. والماء يطفئ
النار{ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ
الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ } الأعراف
5. والسحاب
يحمل الماء{ وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ}
الرعد
6. والهواء يحمل السحاب.{ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} البقرة
7. والعقل
يتوارى من الريح..{{ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }} النحل
8. السكر يغلب
العقل.{ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا
تَقُولُونَ}النساء
9. النوم يغلب
السكر..{ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ
سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا } الفرقان
10. والهم يغلب
النوم..وأعتقد أن الهم كلنا يعرفه، فهو من أقوى جنود الله،الهم والخوف والجوع،
كلها أقوى من النوم.
سبحانك ربي علم الإنسان ما
لم يعلم.. الآن أصحاب الحضارات المتغطرسة، لم يصلوا بعد إلى علم هذا الصحابي
الجليل علي ابن أبي طالب، الذي لم يدرس في السوربون،ولا في أي جامعة أوروبية، ولكن
علمه شديد القوى الذي خلق الإنسان علمه البيان.. إن اقصى ما وصلوا إليه هؤلاء
المتغطرسون هو ما أسموه { LOS CUATRO ELEMENTOS }
اربعة مصادر رئيسية للغذاء.. الأرض والهواء والماء والنار }.
الآن
نعود إلى القصد من هذه السورة الكريمة التى يخاطب فيها المولى عز وجل الضمير
الإنسان وعقله الواعي :..
فَأَمَّا
الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ
رَبِّي أَكْرَمَنِ
طبعا شيء طبيعي أن يقول
الإنسان رَبِّي أَكْرَمَنِ لأنه فعلا أكرمه الله ثم نعمه.. ولكن المسألة ليست
كذلك.. ولنستمر مع الآية التالية حتى نعرف المراد من الخطاب..
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ
عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)
هذا صنف آخر من الناس ..
يشعر بسوء حظه.. يشعر بأنه أهُين.. إنه غير راض.. له مشكلة كبيرة.. ولكن ألا نرى
الغالبية العظمى من الناس في هذا العصر ينقسمون فعلا إلى قسمين.. قسم يقول لك أنا
ربنا كارمني والحمد لله، والآخر يقول لك .. أنا مش عارف أنا عملت إيه في حياتي ..
رزقي ضيق وحظي سيئ.. أنا لا أقول كل الناس هكذا .. ولكن معظم الناس نسمع منهم هذا
الكلام .. هذا الأمر أصبح واقع حياتنا الأليم.. وهيا بنا نسمع بماذا رد الله على
الطرفين.. على الذي قال ربي أكرمن، والآخر الذي قال ربي أهانن..
قال الله كلا .. كلا هي
الكلمة النافية نفيا مطلقا.. كلا لمن قال رب أكرمن، وكلا لمن قال رب أهانن، بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ .. كان يجب عليك أن تكرم اليتيم كما أكرمتك.. وأن
تأمر أهلك وعمالك بتقديم الطعام لكل مسكين.. شرطان وضعهما لمن يشعر بكرم ربه له..
عليه أن يخرج حق النعمة.. لقد أنعم الله عليك لتكون سببا لإسعاد الآخرين.. لقد
أكرمك الله ونعمك لتكرم أنت بدورك من هم دونك من خلقه والشيء القوي حقا هنا
أن الله لم يأمره بإطعام المسكين فحسب بل بالحض على إطعامه، إذا يوجد عندنا صنفان
من الناس.. صنف يقول ربنا أكرمني.. وهذا وضع له المولى عز وجل شرطان:
1ـ إكرام اليتيم كما أكرمك
الله.
2. والحض { أي الأمر } بإطعام المساكين.
والآن
تعالوا بنا نسمع ماذا قال ربنا للصنف الثاني من الناس، للذي قال: { رَبِّي
أَهَانَنِ }
وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19)
وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)
أما أنت يا من تعتقد أن
الله أهانك .. ها هو المولى برحمته يتولاك ويدلك على العلاج لتتخلص من هذا الشعور
بالنقص والإهانة..
1. لا تأكل
التراث.. أي لا تكذب، لا تسرق، لا تقتل .. لأن المال إبتلاء.. أي إمتحان.. وقد
عافاك الله من هذا الإبتلاء الذي هو السبب الرئيسي لكل ما يحدث في البشرية الآن من
ظلم وقتل وسلب ونهب...
2. أرضى
بما قسم الله لك وانزع من قلبك حبك للمال والماديات.. أرضى بما قسم الله لك تكن
أغنى الناس.
هل نتخيل مجتمع بهذه الصورة
الجميلة والأسس البديعة العادلة، التى وضعها رب الناس لكل الناس.. لو كل منا أكرم
يتيما وأطعم مسكينا.. لعاشت البلاد والعباد في سعادة وهناء. لذلك يجب أن نكون على
مستوى المسئولية التى حملها الله للإنسان، ليرقى بحياته، ويكون في عون أخيه
الإنسان. فيستحق بذلك أن يكون خليفة الله في ارضه.
والآن نأتي إلى نهاية المطاف... المستقبل الذي ينتظر العالم، كل البشر سيجدون
أنفسهم وجها لوجه مع هذا المشهد العظيم :
كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ
وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ
يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا
لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا
يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ
وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)
ثم يصور لنا المولى عز وجل، الموقف الذي يرتاح إليه ويتمناه كل إنسان، فبعد
أهوال يوم القيامة ينادي الله سبحانه وتعالى على احباب أ حبابه:
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة (27)ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ
رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي
جَنَّتِي .30.