بسم الله
الرحمن الرحيم
كلما
نويت أن ندخل على النداء الثالث.. لنكمل أخلاقنا التى أرتضاها لنا ربنا، ووضعها في
نداءاته لنعمل بها، كلما نويت ذلك وجدت نفسي ومازلت في حاجة إلى مزيدا من الصبر، وإلى
مزيدا من معرفة الصبر.. لذلك صدرت منى عشوائيا مقالة موضوعها { شريك حياتي } للسيدة
الفاضلة أم هاشم..
بعد أن
قرأتها قررت أن أضعها هنا في نادينا هذا الذي هو بيتنا الثاني، فيه نجتمع على مائدة
الرحمن، نتدارس آياته ونتعلم مما تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
إليكم
المقالة والموضوع مفتوح للمشاركة والمساهمة بآراءكم وتجاربكم، فإن ما يسري بين الزوج
والزوجة بعد فترة يصبح عاما يعم الأسرة كلها، ثم بعد ذلك الحي والمنطقة ثم المجتمع
كله...
سريان
المودة والرحمة.. ومفعول الحب والبغض والكراهية.. يسرى بتسلسل عجيب بين الناس .. ونجد
هذا التسلسل في آية عجيبة قوية وكريمة، ثم هي عميقة جدا جدا لكل من تفكر فيها وتدبر
معانيها.. الآية الكريمة ليست موضوعنا، وإنما هي فقط تفيد تسلسل سريان المحبة أو البغضاء
بين الناس:
قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ
وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا
وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ
فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) التوبة
الحب
يسري بين الآباء ثم الأبناء ثم الإخوان، ثم الأزواج، ثم العشيرة، هذا بين البشر.. ثم
بعد ذلك ينتقل حبنا إلى الماديات الأموال والتجارة والمساكن .. وهذه الثمانية هي الحياة
الدنيا بكل ما فيها وما عليها..
ولقد
قصدت بهذه الآية معرفة كيف يتسلسل الحب والكراهية بين الناس.. فإن كان هناك نقص أو
طغيان في الحب بين الآباء والأبناء والإخوان أنتقل هذا النقص أو الطغيان إلى الأزواج..
ثم ينشأ عنه ذرية أخرى عندها حب أقل، وطغيان أكثر.. فيفشل الشاب والفتاة في تحقيق المودة
والرحمة التى جعلها الله بين الأزواج ..
وإلي
حضراتكم خواطري المتواضعة في هذا الموضوع:
عندما نقسوا على الآخر يفر الحب
ويفتر وقد يموت
بسم الله
الرحمن الرحيم
لماذا
تنقلب الموازين بين الناس عموما وبين الزوجين خصوصا؟
من يريد
ألإجابة على هذا السؤال فعليه أن يبحث في كل علوم الإجتماع وعلم النفس وفي شتى العلوم،
ربما حصل على إجابة وافية على هذا السؤال... وعلى فكرة لدينا في هذه الحياة الدنيا
ملايين بل مليارات الكتب التى تقدم لنا الحلول لكل انواع المشاكل... فالمشكلة هي مرض..
والمرض يحتاج لأخصائي ليصف له الدواء، ثم على المريض أن يتبع تعليمات الطبيب ويواظب
على تناوله الدواء بدقة متناهية حتى يحدث عنده التأثير اللازم ..
إذا الموضوع
ليس سهلا... ولكنه ليس مستحيلا.. بل هو أحيانا أسهل مما نعتقد.. بل هو بين يدينا..
وأمام أعيننا.. يلوح لنا كلما احتدت المشكلة، وضاقت بنا الحياة بما رحبت، واضطربت حياتنا..
نجد الحل دائما معنا.. بين أيدينا.. مع المشكلة.. هل تصدق هذا؟
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ(1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي
أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
(5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ
فَارْغَبْ (8)
فالذي
شرح صدر نبيه صلى الله عليه وسلم هو يشرح صدر كل من أقبل عليه تائبا ونادما متضرعا.
هل تصدق
أنه عندما يصيبك شيء مما يعكر عليك صفو حياتك، ومما يسبب لك الآلام أن هذه المصيبة
أو هذا الشيء الذي آلمك وعكر صفو حياتك قد أحل بساحتك ومعه الحل الأمثل ...
وكما
أنك تحتاج لطبيب ليصف لك الدواء فأنت في حاجة إلى الصبر لترى الحل الأمثل لما أصابك...
كل علماء
والدنيا والدين يقدمون لنا في كل ثانية الوسيلة المثلى لحل كل ما يصيبنا... ولكن طبعا
هذا لا يجدي إلا كما يجدي المسكن.. يريحك من الألم بعض الوقت، ثم يعود إليك أقوى من
ذي قبل...
سأسوق
لكم هنا سورة قصيرة جدا... فيها شفاءكم من كل الآلام ... وفيها نجاتكم من جميع ألوان
الشقاق والعذاب..
آية توضح
لك سبب مرضك، وسبب إصابتك به، وسبب آلامك... فعش معي تلك الآية ثم بعدها سنبحث سويا
عن الحل الأمثل الذي يكمن بداخلك، في قلبك وعقلك وذاكرتك.... فدقق معي رحمك الله :
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ
آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
(3)
يقسم
الله العلي العظيم بوقتك، بعمرك في الدنيا، ويقسم بهذا العصر الذي تعيشه أنت الآن،
ويقسم العلي العظيم بعمر كل من وقع في المشاكل، العقيمة والعصيبة منها والبسيطة، كل
أنواع المشاكل، كل ألوان العذاب، كل صور الفشل والنزاع، كل ما يصيبك ويسببب لك ألما
أو ضيقا، أو يأسا فهو خسران، معنى ذلك أنك خسرت العكس من كل ما مضى، بمعنى أنك خسرت
راحتك وهناءك الذي كنت تستمتع به قبل المشكلة.. قد خسرته..
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ
لَفِي خُسْرٍ (2)
أنت في
خسران دائما، بدليل عذابك وآلامك وعدم راحتك، ورؤيتك لمشاكلك ولسواد ليلها.. هناك خسران
على مستوى الفرد... يزيد هذا الخسران الفردي بإزدياد الزمن دون علاجه.. وعندما يطول
الزمن بفرد معذب ولا يهم أحد لإنقاذه من خسرانه وآلامه.. فإن الخسران يسرى في عامة
الشعب.. هذا ما نراه بأعيننا ونعيشه في مصر الآن...
وهذا
ما يعيشه أخواننا في سوريا... والعراق... وفي كل بلد مسلم... تجده يعيش كأحسن ما يكون...
ولكنه عندما يسمع نشرة الأخبار يصم أذنه ويغمض عينيه .. هذا قد مات ضميره... أنا آسف
فليس موضوعنا الآن...
إذا كل
ألم تشعر به معناه أنك خسرت شيئا طبيعيا فيك، وهو ما كنت تشعر به قبل المشكلة.. أو
قبل المرض.. أو قبل الخلافات الزوجية... أو قبل السقوط في بحر الظلومات والعياذ بالله...
وياتي
الحل الأمثل في الإستثناء التالي من رب العالمين ذو الملكوت والجبروت والعزة والكبرياء:
1. إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا
2. وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
3. وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
4. وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
لكي لا
تكون من الخاسرين.. لكي تنجو بنفسك من العذاب والمشاكل والخلافات الزوجية.. عليك بتنفيذ
تلك الأربعة..
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا
حديث
شريف:
"إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق
الثوب فسلوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم"
الراوي:
عبدالله بن عمرو المحدث:الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - خلاصة حكم المحدث: إسناده
حسن
عليك
أن تجدد إيمانك... عليك أن تبحث في حياتك عن كل ما فعلته وأغضبت به ربك لتصححه ولتتوب
إليه .. ولتستغفره.. ولتتضرع إليه ليرفع عنك ما أصابك.. وهذا هو تجديد الإيمان... أن
تعود إلى ربك بعد أن تنوي نية قوية صادقة أن لن تعود لإغضابه سبحانه وتعالى .. هو الذي
جاء بك إلى هذه الدنيا.. وجعل لك مثلا أعلى في خاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه
وسلم .. وأنت أسعد حالا ممن ولد قبل بعثة محمد خير خلق الله صلى الله عليه وسلم ..
عَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ
ثم بعد
توبتك يا أستاذي وأستاذتي الفاضلة عليك أن تعمل من الصالحات قدر استطاعتك، بُعدك عن
كل ما يغضب الله هو من خير الأعمال وأنجحها مهما كان صغيرا فإن الله ينميه.. وخير عمل
تقوم به هو أن ترضى وتقر وتعترف أن ما أصابك هو من فعل يدك، وليس ظلما من أحد ولا من
ربك.. فكثير منا يقع فيما حفر ثم يلوم الآخرين ويشكو ربه بأنه أصابه بما يؤلمه... وهذا
ظلم وجهل مدقع.. هل أسوق لكم الآية ؟ أم إنكم تعرفونها؟ حسنا هاهي أمامكم:
وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو
عَنْ كَثِيرٍ (30)الشورى. لو قراتم الآيات التى
قبلها ستطمئن قلوبكم.
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
الآية
تحملنا في أنسجام وتوافق عجيب.. سبحانك ربي ما أعظمك.. بعد أن تبت إلى ربك.. وبعد أن
أراك ربك رحمته التى كانت مرافقة لمصيبتك.. تكون قد رأيت وعرفت أن الله حق.. فتوصي
به من هم دونك ومن هم حولك ممن وقعوا في الباطل وأصابهم العذاب.. وهكذا تكون داعية
إلى الحق بعد أن عشته ولمسته وحققته في حياتك ودعوت إليه إخوانك من المسلمين... وهذا
معنى وتواصوا بالحق....
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
(3)
طبعا
أنت معي الآن أنك لم تكن تصل إلى رؤية الحق ولم تكن لتنجو من العذاب والآلام والمصائب
إلا بالصبر... وهنا نعود إلى هدف نادي العضلات الإيمانية وهو تلبية نداءات الرحمن لعباده
الكرام... فنداء الصبر كان ثاني نداءات العلي العظيم لعباده المؤمنين..
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
(153)البقبرة
لن تستطيع
أن تخرج من أي ضيق أو كرب إلا برجوعك لله بصبر ورضا واستسلام ودعاء واستغفار.. فيرفع
عنك ما أصابك ويجنبك السقوط مرة أخرى..
أما بالنسبة
لعلاج ما يصيب الزوج والزوجة من فتور ونسيان ما كان بينهما من حب ووئام فهذا موضوع
لن نستطيع إن نحله أو نصل إلى ما جعله الله تبارك وتعالى بين الزوجين من مودة ورحمة
إلا بعد أن نعالج أنفسنا بما سبق من آيات عشناه ورأيناها واقتنعنا بها...ثم علينا بالصبر...
وبعدها سأقدم لحضراتكم الخطوات التى وضعها رب العالمين وأرحم الراحمين لتحقيق السكينة
والمودة والرحمة.. خطوات وضعها الرحمن لعباده المرحومين من الله العلي العظيم ليرحموا
هم من دونهم من خلق الله ..
أنت عندما
وقعت في حب الطرف الآخر كنت رحيما.. وكنت ودودا .. وعندما نال كل منكما غايته أو اصطدم
بشيء عند الآخر لم يكن يتوقعه أمسك رحمته ووده واصبح قاسيا بغير رحمة....
هذا ولنا
لقاء آخر إن شاء الله
وحتى
حينئذ لكم منى أجمل تحية وأرق سلام ودعواتي لكم بالصلاح والفلاح والنجاح والسعادة والوئام.
وقبل
أن أختم أود أن أشير إلى نقطة هامة جدا وقوية ولها مفعول السحر في حياتنا.. لقد حدثنا
ربنا تبارك وتعالى في أول السورة عن الخسارة.. وكأني أرى المراد بتلك الكلمة هي لفت
نظرنا للتجارة الرابحة مع الله، فنحن لو طبقنا كل ما سبق وجاء بالآيات نكون قد تاجرنا
مع الله تجارة ناجحة رابحة لا بوار فيها ولا خسران، وذلك تجدونه في الآية التالية:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ
مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
(11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
(13) الصف.
نجاحك
في حياتك الزوجية هو تجارة رابحة مع الله تنجيك من العذاب الأليم، اختيارك الصحيح لشريكة
حياتك هو تجارة رابحة مع الله تنجيك من العذاب والفشل والحرمان، صبرك على زوجك وأولادك
وجيرانك تجارة رابحة مع الله العلي العظيم تنجيك من العذاب الأليم .
No hay comentarios:
Publicar un comentario