28 jul 2013

نفسك تسيطر عليك بسيطرتها على عقلك فحرره وسلمه لقلبك ترى الدنيا بنور الله

19 رمضان
عندما تتحرر عقولنا من سيطرة النفس
تتحول تلقائيا إلى أجنحة وعيون بالنسبة للقلب
فنرى بها الحقائق الكبرى
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)الحج ..
فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ
عندما يميل الإنسان ولو قليلا عن الحق، ويتبع هواه، يكون بذلك قد استسلم تلقائيا وكليا لنفسه، فتسيطر هي على عقله وتستخدمه لتحقيق أغراضها.. ويصبح القلب معطلا عن ممارسة مهامه في رؤية الحق والتفريق بينه وبين الباطل في كل أمور الحياة، وتضعف العقيدة ويصيبها خلل ومع كل معصية تنكت نكتة سوداء في القلب حتى يسود كله .. والحل الوحيد في هذه الحالة هو تلبية نداء الرحمن الذي يقول فيه :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) التحريم .
 تعرضُ الفتنُ على القلوبِ كالحصيرِ عُودًا عُودًا ، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها ، نُكِتْتْ فيه نكتةٌ سوداءُ ؛ وأيُّ قلبٍ أَنكَرَها نكتتْ فيه نكتةٌبيضاءُ ، حتى تصيرَ على قلبينِ : أبيضُ مثلُ الصفا فلا تضرُّه فتنةٌ ما دامتِ السمواتُ والأرضُ والآخرُ أسودُ مِربادًّا ، كالكُوزِ مُجَخِيًا لا يَعرِفُ معروفًا ولا يُنكِرُ مُنكَرًا إلا ما أُشْرِبَ هواه
مجخيا أي مقلوبا .
الراوي: - المحدث:ابن تيمية - المصدرمجموع الفتاوى - الصفحة أو الرقم: 7/226خلاصة حكم المحدثصحيح
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ     
وهنا يعلمنا ربنا أن صلاحنا في الحياة الدنيا ونجاتنا من الهلاك والضلال مرتبط إرتباطا وثيقا بثبات قلوبنا على الحق، على دين الله ، فإن القلوب تزوغ بزوعان النفس عندما نتبع أهواءنا وعندما تسيطر النفس على عقولنا، فنضل ونشقى..
يا أيُّها النَّاسُ استَغفِروا ربَّكم وتوبوا إليهِ فإنِّي أستَغفِرُ اللَّهَ وأتوبُ إليهِ في كلِّ يومٍ مئةَ مرَّةٍ أو أَكْثرَ مِن مئةَ مرَّةٍ
الراوي: رجل من المهاجرين المحدث:ابن حجر العسقلاني - المصدرالأمالي المطلقة -الصفحة أو الرقم: 255 خلاصة حكم المحدثصحيح
الإستغفار يعيدنا إلى الوضع الصحيح في حياتنا، وييساعد قلوبنا على أن تتخلص من كل ما علق بها من مغريات الحياة فتجليه وتجعله في وضع صحيح وجيد ليستقبل عن الله سبحانه وتعالى رحماته ونفحاته عندما يوافق دعاءنا واستغفارنا لحظة إجابة من العلي العظيم .
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
إذا إطمئن قلبك فلا خوف لديك إلا من الله، وإن إطمئن قلبك فأنت في عيشة هنية وكل ما يقلقك ويحزنك سيذهب عنك حزنه بالدعاء وبذكر الله.
ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ
تعظيمك لشعائر الله، ذكره وتسبيحه وإقامة الصلاة في أوقاتها وصلة الرحم والصدقات وتحري الصدق وفعل الخيرات والتقرب إلى الله بالنوافل هي مدخلنا الكبير إلى تقوى الله، وإلى تطهير قلوبنا من كل ما يتعلق بها من أمور تعوق مسيرتنا نحو رضى الرحمن .
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ ۖ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.
غافر - الآية  67   
جميع مراحل حياتنا بيد الله تبارك وتعالى، فعندما نغفل عن هذا تجرفنا تيارات الحياة، فنبتعد عن راحة قلوبنا وراحة بالنا ويبدأ الشقاء يدخل إلى نفوسنا مع كل ما يحمله من أحزان وأوهام وقلق لا ينتهي.
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) البقرة
نعود إلى هذه الآية الكريمة لنطمئن إلى رحمة الله، فعندما نستغفره ونتوب إليه ونحرر عقولنا من غزو الأفكار والفلسفات والنظريات حينئذ نشعر بإرتياح ويدخل النور إلى قلوبنا.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ
إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ
هنا نرى سيطرة النفس واضحة على عقل الإنسان .. يخلو قلبه من الإيمان وتغزوا عقله نزغات الشيطان، ويفقد النور الإلهي الذي يتمتع به كل من تدبر آيات الله وتفكر فيها وطبقها.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) البقرة.
وهنا في الحال إستدرج سيدنا إبراهيم هذا الذي أتاه الله الملك إلى بؤرة الظلام في نفسه فلم يستطع ردا وبهت الذي كفر.. وهكذا تكون شخصية المؤمن التقي الموحد بالله، يرى بنور الله وهو بارع في حواراته مع الآخرين يرى فيهم نقاط ضعفهم فيعالجها بكلمات رقيقة وصائبة.. ثم بعد ذلك الله يهدي من يشاء.
أحبابي في الله هذا ما وفقني الله إليه من خواطري، وما فيها من صواب فمن الله وحده سبحانه وتعالى وما فيها من خطأ فمني وأستغفر الله لي ولكم ...

فإن رأيت فيها خيرا وصلاحا فقم بنشرها بين أحبابك للتذكرة بدين الله فإن الذكرى تنفع المؤمنين. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين والحمد لله رب العالمين .نف

27 jul 2013

مكانة العقل في ملك الله

مكانة العقل في خلق الله
17 رمضان
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)الإسراء
عقلك هو بمثابة العيون بالنسبة لقلبك و لكن إذا سيطرت عليه نفسك فهو خادمها المطيع، ومع ذلك فهو مطيتك التى تحملك حيث تشاء، تستطيع أن توجهه حيثما شئت، ولكي يعمل بكامل طاقته لابد من أن يكون حرا... وتحرره متوقف على عبوديتك لله العلي الكبير، لذلك سنجعل عقولنا تعيش مع لا إله إلا الله... نستغفره ونستعينه ونتوب إليه. لأننا بهذا الإستغفار نستطيع أن نحرر عقولنا من سطوة النفس، فيستخدمه القلب ليرى به الحقائق الكبرى.
بلا إله إلا الله سنحرر عقولنا، وذلك بالإستغفار كثيرا كثيرا كثيرا... تنفيذا لأمر الله العلي العظيم لنا، فقد قال سبحانه وتعالى في محكم آياته:|<< يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) الأحزاب >> الأحزاب.
أحبتي في الله، أريد منكم أن تلبوا أمر الله بأن تذكروه كثيرا، وخير ذكر لله إستغفاره في كل أوقاتنا. وعن مكانة العقل سنعيش معا هبة الله للإنسان ومطية تكليفه ووسيلته لمحبة الله وطاعته واتباع رسله صلى الله عليهم وسلم جميعا .... وهو مطيتنا ووسيلتنا المثلى للتفكر والتأمل في خلق الله .
ذات يوم كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفكرون في خلق الله، ودار بينهم سؤال، تـــٌرى ما هو أكبر وأقوى مخلوقات الله على الأرض ؟ ...
منهم من قال الجبال ومنهم من قال كذا وكذا وكذا... وفي هذه الأثناء مر بهم علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، فسألوه .. فكانت إجابته قاطعة، ومحددة ولا يمكن لمن يسمعها أن يساوره الشك فيما قال، قال رضي الله عنه هم عشرة:
أولا: الجبال الرواسي
 أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) النبأ.
ثانيا: الحديد يقطع الجبل
وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ { سورة الحديد }
أثبت علماء عصرنا الحديث أن الحديد ينزل من السماء.
ثالثا: النار تأكل الحديد
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) سورة القصص.
رابعا: الماء يطفئ النار
وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ. الأعراف
خامسا: السحاب يحمل الماء
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) الرعد.
سادسا: الهواء يحمل السحاب
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) فاطر
سابعا: الإنسان يتوارى من الريح { العقل}.
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) البقرة.
ثامنا: السُكر يغلب الإنسان
وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ. الحج.
قد يسكر الإنسان بما لديه من هموم ومشاكل، فيدخل في دوامة مشاكله ودائرة أفكاره السلبية فيتوه ويحزن ويفقد توازنه وقدرته على التركيز..... وهذا نوع من السكر بغير خمر أو مواد مسكرة، إنما الذي يسكر بالخمر فهو يستعجل غياب عقله ليهرب من مشاكله.. وهنا نجد آفة البشر، لذلك المخرج الوحيد من كل ذلك هو الرضى بقضاء الله والإستغفار كثيرا كثيرا كثيرا.
تاسعا: النوم يغلب السكر
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) الفرقان.
وهكذا نرى من رحمة الله على الإنسان أن وهبه النوم وجعله ثباتا، ليستيقظ من نومه جديدا ليواصل حياته لعله يستغفر ربه ويتوب إليه فيكشف عنه ما ذهب بتوازنه وإستقراره.
وأخيرا: الهم يغلب النوم
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ{ يوسف}
من كانت الدنيا همَّه فرَّق اللهُ عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين عينيْه، ولم يأتهِ من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانتِ الآخرةُ نيتَهُ جمع اللهُ له أمرَه، وجعل غناه في قلبِه، وأتته الدنيا وهي راغمةٌ، ومن كانت الدنيا همَّه جعل اللهُ فقرَه بين عينيه، وفرَّق عليه شملَه، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما قُدِّر له.
الراوي: زيد بن ثابت المحدث:الدمياطي - المصدر: المتجر الرابح - الصفحة أو الرقم: 334
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح

وهذه المسألة كلنا مر بها ويعرفها معرفة يقينية، فكلنا جرب الهم، وكلنا يعرف أن المهوم لاينام، وإن نام تهاجمه الكوابيس والأحلام المزعجة، والمهموم حزين وإن طال عليه الأمد وصل إلى الإكتئاب والعياذ بالله .
وهنا نرى أن الله سبحانه وتعالى قد سخر للإنسان كل شيئ، فجعل عقله فوق السحاب والهواء والماء والنار والحديد والجبال، وقد استخدمنا كل ذلك  فأصبح من السهل علينا أن نصل إلى أي نقطة في الأرض في زمن محدود، فهناك طائرات وشركات وعمال وكلهم في خدمة المسافر نظير دراهم معدودة.
فعندما يترك الإنسان كل ذلك ويهتم بسوى الله فإنه يقذف بنفسه وروحه وعقله وفؤاده وجسده إلى العذاب والآلام، فتتلقاه شياطين الإنس والجن معا ليفعلوا به ما يشاؤن وكأنه لعبة في أيديهم, والسبيل الوحيد للنجاة من كل ذلك هو الإستغفار والتوبة إلى الله الواحد القهار. ثم نأتي إلى دعاء الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، يعلمنا أن نستعيذ من ثمانية أشياء قاتلة لطاقة الإنسان وحيويته وتقضي على راحة باله وتصيبه بالقلق وبإضطراب حياته كلها...
{ الحديث صاحبني مدة عمري منذ أن كنت شابا، له أثر عظيم في نفسي وحياتي، ولكني لا أعرف مدى صحته، سأقصه عليكم ليس كحديث وإنما دعاء يقينا من أشياء كثيرة كلها قاتلة للنفس}
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال.
سنتكلم في هذا الدعاء بإفاضة اليوم أو غدا إن شاء الله..
اللهم ربنا ورب العالمين، يا أرحم الراحمين ، نستغفرك ونتوب إليك، ولا حيلة لنا ولا رجاء إلا في إستغفارنا فإنك أنت سبحانك غافر الذنب وقابل التوب، علمنا من الإستغفار مما علمته عبادك الصالحين، ووفقنا برحمتك وفضلك لكلمات تلقيها في قلوبنا فنستغفرك بها فتقبلها منا وتقربنا بها إليك.. ربنا لا نبغي إلا رضاك عنا، بهذا الأمل نحيا، وعلى أمل لقاءنا بحبيك المصطفى وبكل أنبياءك الذين آمنا بهم ولم نراهم نحيا وبهذا الرجاء تهون علينا ما نلقى  في حياتنا الدنيا ..
رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) آل عمران.


مكانة العقل الذي كرم به الله الإنسان والذي هو مطية التكليف،  فكيف نستقبل به عن الله ورسوله وهو قد أصبح مملوءا  بالصالح والطالح  ويعج فيه كل ما نرى ونسمع  دون أن نعرف شيئا عن مدى صحة ما نحمل من أفكار ومفاهيم،ووسيلتنا الوحيدة  لتحرير عقولنا وتنظيفها  هي الإستغفار  وإستحضار عظمة الله مع كل اسم نستغفر الله به. وكشح كل مفهوم خاطئ ، وأسهل طريقة لذلك هي الأخذ بكلمات الله وتلبية نداءاته ال 89 نداء والتى بدأت جميعها بيا أيها الذين آمنوا.

بالإستغفار وحده نستطيع أن نحرر عقولنا... أبحث في عقلك ستصعق عندما ترى ما فيه... خاصة لو أنك ممن يؤمنون بالله، وخاصة لوعرفت أنك ستسأل عن دينك وعن نبيك وماقال وما دعاك إليه وما نهاك عنه، لقد وضعت فلان وعلان من الناس في عقلك جنبا بجنب  مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع كلمات الله وآياته  واصبحت تعامل الناس بخشية واحترام أكثر من خشيتك لله وتقديره وتعظيمه فهو الذي خلقك وخلق لك هذا العقل وجعل لك عينين ولسانا وشفتين فرحت تلهث وراء آمال كاذبة وافكار خادعة وتركت ما هو خير لك وأبقى.  وإنما علاج كل ذلك لا يكون إلا بالإستغفار والتوبة إلى الله والرجوع إليه ثم البقاء عنده وهذه هي الإنابة .....


25 jul 2013

إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ



16 رمضان
تابع القلب السليم
إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) الصافات.
لا زلنا مع القلب السليم .. قلبا يحمل من الصفات ما يتمناها كل عاقل، قلب كبر وترعرع على الصدق  والإخلاص والحب والرجولة والشهامة وعدم المراوغة إلا مع أعداء الله، وهو قلب فطن على الفطرة، وهو قلب كبير يسع ملكوت الرحمن ويسبح فيه سباحة الماهر في الفهم والتدبر.. هو قلب نشأ على محبة الله، فرعاه الله وطهره وأسكن فيه حبه سبحانه وتعالى وحب كل عمل يقربه من حب الله .. هو قلب سيدنا ابراهيم وابنه نبي العرب وقائدهم ومعلهمهم وأول بذرة للشهامة والعزة والكرامة والصدق والنبل والزكاء والمودة والرحمة والطاعة العمياء لله رب العالمين  ...
وكما بدأنا مع الدكتور النابلسي سنستمر معه بإذن الله حتى ننتهي من هذا المنبع الآمن والطاهر النقي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، تَتِمَّة قِصَّة سيِّدنا إبراهيم، حينما قال الله عز وجل
﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)﴾  [ الصافات]
 قال تعالى:
﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا(15)وَأَكِيدُ كَيْدًا(16)فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا(17)﴾ [ الطارق]
 الله سبحانه وتعالى ليس كائِدًا، وليس مِن أسمائِه الكائِد لأنَّ الذي يكيد هو الضَّعيف إلا أنَّ الله عز وجل حينما يكيد يُسَمَّى كَيْدُه تَدْبيرًا حكيمًا يرُدُّ به كَيْد المُعْتَدين، فإذا كادك عَدُوُّك فالله سبحانه وتعالى له كَيدٌ يَحْميكَ منه.
 قال تعالى:
﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)﴾ [الصافات]
 وهناك في كتاب الله تعالى كَلِمَتَين قال تعالى: والعاقِبة للمُتَّقين.." فالأمور تَدور، يسْعَدُ أُناسٌ، ويسْكُت أناس ويشْقى أُناس، ولا تسْتَقِرُّ الأمور إلا على نُصْرة المؤمن، وإعْزازِهِ فالله تعالى قال:
﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)﴾ [الصافات]
 فأنت إن ذَهَبْتَ إلى بيتِ الله الحرام، فأنت قد ذَهَبْتَ إلى الله تعالى، وإذا ذَهَبْتَ لأداء العُمْرة فقد ذَهَبْتَ إلى الله، وإذا دَخَلْتَ بيتًا مِن بيوت الله تُصَلِّي، أو تسْتَمِعُ إلى مجْلس العِلم فأنت ذاهِبٌ إلى الله، وإذا رأيْتَ فِتَنًا في الطريق فغَضَضْتَ عيْنَكَ فأنت ذاهب لله تعالى، وطوبَى مَن وَسِعَهُ بيْتُهُ، ووسِعَتْهُ السنَّة ولم تسْتَهْوِهِ البِدْعة، ففي زَمَن الفِتَن يكون البيت مأوى، والله عزوجل قال:
﴿وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا(16)﴾ [الكهف]
 فالمكان الذي تعْبُد الله تعالى فيه، والذي لا معْصِيَة فيه، ولا لغْوَ فيه يُعْتَبَر كَهْفًا، وهذا ينْطَبِقُ عليه قوله تعالى:
﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)﴾ [الصافات]
 فالإنسان إن ضاقَت نفْسُهُ فَذَهَب إلى مكانٍ واسِع، وإلى فلات أو جبل ومكانٍ مُريح، وقرأ القرآن وناجى الواحِد الدَّيان فكأنَّه ذاهِب إلى الله تعالى، فالإنسان إن لم تَكن له خَلْوة مع الله ؛ يُناجيه ويَدْعوه ويذْكُرُهُ ويُمَرِّر جبْهَتَهُ في أعْتابِهِ والله تعالى حيثُما اتَّجَهْت إليه تَجِدُهُ، فالله تعالى لا يَحُدُّه مكانٍ، قال يا موسى أَتُحِبُّ أن أكون جَليسك ؟ قال: كيف ذلك يا ربّ ؟ قال: أما عَرِفْتَ أنِّي جليس مَن ذَكَرَني وحيثما الْتَمَسني عَبْدي وَجَدَني، أحْيانًا تسْكُن بيْتًا في سفَح جبلٍ و ضاقت نفسُك، اِصعد إلى الجبل و اقرأ القرآنَ، ذهبت إلى بيت من بيوت الله كنت في الطريق و سقطت الأمطار ذهبتَ إلى البيتِ، و كلُّ بيتٍِ تلتمس فيه ذكرَ الله و الابتعادَ عن الشيطان فهو المأوى، و ينطبق عليه قوله تعالى: ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)﴾ [الصافات]
 قال تعالى:
﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)﴾ [الصافات]
﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)﴾ [الصافات]
 و قوله تعالى:
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ(72)﴾ [الأنبياء]
 قال تعالى:
﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ(49)﴾ [الشورى]
 معنى ذلك أن الولدَ هبةٌ من الله عز وجل، وليس لك إلا أن تسأله ولدًا صالحا ينفع الناسَ من بعدك، و الولدُ الصالح استمرارٌ، و أثمنُ شيءٍ على الإطلاقِ الحياة ـ و قد تكون أغنى الناسِ ـ إلا أن أثمنَ شيءٍ على الإطلاق هو الولد ينفع الناسَ من بعدك، و هو استمرارٌ لوجودك، و كلُّ أعمالِه في صحيفتك، و أنت في الجنة و أنت في البرزخ تأتيك الخيراتُ من دعاء ولدك الصالحِ، فإذا بذلتُم كلَّ طاقتكم في تربيةِ أولادكم و رأيتموهم تائبين إلى الله منيبين إليه فهذه قُرَّةُ العينِ التي ذكرها اللهُ في القرآنِ، قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا(74)﴾ [الفرقان]
 لا يعرف قرَّةَ العينِ إلا من كان عنده ولدٌ و هو قرَّةُ عينه، صلاحٌ و أدبٌ و استقامةٌ و مُعاونةٌ، قال تعالى:
﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾[ الصافات]
 فإذا كان للواحد مصلحة رائجةٌ أفضلُ إنسانٍ يتابع العملَ بعدك هو ابنُك، وهو بضعةٌ منه، قال تعالى:
﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾
أيها الإخوةُ الكرامُ، أن يُأمر نبيٌّ بذبحِ ابنه وأن يقول سمعا و طاعةً يا ربي، هذا الاستسلامُ الحقيقي و المُطلَق، هذه هي العبوديةُ لله تعالى و كلُّ أوامرِ الله تعالى معقولةٌ، أمر بالصدق و الصلاة و الزكاة و الاستقامة، كلُّ أوامر الله تعالى معقولة، إذا طبق الإنسان أمرًا معقولاً تطبيق هذا الأمر المعقول تضعف فيه العبودية لله عز وجل، أحيانا عدوُّك يعطيك توجيها في مصلحتك فتنفِّذه، فهل بِتَنْفيذِكَ هذا تُطيعُ عَدُوَّكَ ؟ لا أبدًا، أنت تُحَقِّق مَصْلَحَتَكَ الذاتيَّة، أما حينما تَضْعُف حِكْمَة الأمْر فلو قال الأب لابنِهِ: نظِّفْ أسْنانَكَ ! ونَم باكِرًا، فهذا كُلُّه واضِح ولِمَصْلحة الابن، ولِمُسْتقبل الابن، أما إذا مَنَعْتَ ابْنَكَ عن الأكل للطّعام الطَّيِّب ! فهذا غير مَعقول، فالأمر غير الواضِح، وغير العقلي ترْتَفِعُ فيه نِسْبة العبودِيَّة، أما أن يقول الله عز وجل لإنسانٍ: اِذْبَح ابْنَكَ !! فهذه أعلى درجات العُبودِيَّة لله عز وجل إن نفَّذَ الأمْر، وأن يضَعَ زوْجَتَه وابْنَهُ في وادٍ غير ذي زَرْعٍ، وأن يذْهَب هو، فهذا هو التَّوَكُّل المطْلق، والله عز وجل أعْطانا بِهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلَّم مثَلَيْن: توَكُّل مُطْلق، قال تعالى
﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ(37)﴾ [ إبراهيم]
 وقوله تعالى:
﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾  [الصافات]
 هذه عُبودِيِّة مطْلَقَة، أما كلَّما كُلِّفْت بأمْرٍ، قلتَ: إن لم أفْهم حِكْمَتَهُ فلا أقْبَل الأمر ! فأنت الآن تعْبُد نفْسَكَ وليس الله تعالى، هذه الأوامِر التي تفْعَلُها لأنَّك قانِعٌ بها ليسَت عِبادةً لله عز وجل، فهذا المَثَل دقيق جدًّا قال تعالى:
﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)﴾ [الصافات]
 ما هذا الابن ؟! رؤْيا الأنبياء حق فهو لم يقل له: افْعَل ما ترى في المنام، ولكن قال له: اِفْعَل ما تُؤْمَر ! وهناك نقْطة ثانيَة، وهو الفِعل أر في قوله تعالى إنِّي أرى، وهذا يُفيد الاسْتِمْرار، فهو رأى أوَّل مرَّة وثاني مرَّة، قال تعالى:
﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)﴾ [الصافات]
 هذا هو المؤمن ؛ مُسْتَسلِمٌ لله عز وجل .. والله تعالى يقول:
﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا(23)﴾[ الأحزاب]
 هذا هو الإيمان، قال تعالى:
﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)﴾ [الصافات]
 لن تسْتطيعوا أن تعرفوا هذا الظَّرْف الصعْب الذي عاشَهُ هذا النبي الكريم ؛ لأنَّكم تعرفون من قراءة القرآن حلَّ العُقْدة، قال تعالى:
﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)﴾ [الصافات]
 ما كان يدور في خلَدِ إبراهيم أنَّ الله سبحانه وتعالى سيَهْديهِ بِذِبْحٍ عظيم لذا قال سيِّدنا إبراهيم:
﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)﴾ [ الصافات]
 لذا وَطِّنوا أنْفسكم إن كنتم مؤمنين على أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يمْنَحُكم عطاؤُه العظيم إلا بعد امْتِحانٍ دقيق، ولكن ليس بِمَرْتبة هذا الامْتِحان فهذا الامْتِحان للأنبياء، فنحن لنا امْتِحانات مُخَفَّفة ؛ كالمرض، أو ضيق ذات اليَد، أو مشْكلة في البيت، فهذه المشكِلات لا بدّ منها.
 قال تعالى:
﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(110)﴾ [الصافات]
 كلمة مُحْسِن مُطْلقة ؛ فهو في البيت مُحْسِن، وكذا في العَمَل، وفي بيْتِهِ ومع أصْدِقائِهِ، وفي صَنْعَتِهِ مُحْسِن، وفي زراعَتِهِ، وكذا في تِجارَتِهِ وفي حزنِهِ وفَرَحِهِ، فهي تعني أنَّ عَمَلَهُ طيِّب في أيِّ مجال.
 قال تعالى:
﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ(113)﴾ [الصافات]
 مِن ذُرِيَّة هذا النبي الكريم الذي هو أبو الأنبياء ؛ مُحْسِنٌ وظالمٌ لِنَفْسِه ونحن مِن ذُرِيَّة إبراهيم عليه السلام ؛ محْسن وظالم لِنَفْسِهِ، أرْجو الله سبحانه وتعالى أن نكون مِن المُحْسنين
والحمد لله رب العالمين


24 jul 2013

القلب السليم



15 رمضان
القلب السليم
إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
إن الصيام إن صح فصمنا رمضان كما يجب إنما هو يغسل قلوبنا ويطهرها وينقيها، وتتضاءل أمامه أعتىى النفوس، فتخشع وتستسلم، وخسر من أطاع نفسه بعد المغرب وحقق لها مطالبها، فهو كالذي يطاوع أبنه ويشتري له بندقية ليلعب بها فيقتل الناس... فالخطأ هنا ليس عند الطفل ولكن يقع الخطأ على أبوه الذي طاوعه ودلعه.
اليوم لدينا قصة قرآنية بليغة وحكيمة، لم أستطع أن أكتب فيها شيئا مخافة من الإقلال من معانيها الجليلة والعظيمة، لذلك سأترككم مع الدكتور النابلسي لنعيش قصة القلب السليم النموذجي والذي يتمناه كل عاقل.. فتدبروا الآيات بحكمة وتأني ثم أتمنى أن نتناقش في مسألة القلوب هذه فهي وسيلتنا الوحيدة لتقوى الله .
مع فضيلة الدكتور النابلسي:
﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)﴾[الصافات]
 و الآيةُ الثانيةُ قال تعالى:
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88)إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)﴾ [ الشعراء]
 معنى ذلك أن رأسَ مالٍ الإنسانِ القلب السليمُ، إذْ أن أمراض الجسدِ تنتهي عند الموت، أيُّ مرض ٍ مهما كان ينتهي عند الموتِ، إلا أن أمراضَ القلبِ تبدأ بعد الموتِ، و إلى أبدِ الآبدين، فالذي في قلبه غِلٌّ و الذي في قلبه حسدٌ و الذي في قلبه كِبْرٌ إنه إعراضُ مرضٍ واحدٍ و هو الإعراضُ عن الله عز وجل، فهذه الآيةُ و هي قوله تعالى:
﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)﴾ [الصافات]
 وأثمنُ شيءٍ تملكه هو القلبُ السليمُ، فإذ كان قلبُك سليمًا من الحقدِ و الحسدِ و من الكِبرِ و من البغيِ و العدوانِ فأنت مع اللهِ، و اللهُ يوَفِّقك قال تعالى:
﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكاً آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86)﴾ [الصافات]
 أيُعقَلُ أن تعبدَ غيرَ اللهِ ؟ أيُعقَل أن يعبد ثمانمائة مليون البقر في الهند؟ أيُعقَل أن يُعبَد بوذا ؟ أو أن تُعبَد النارُ في جنوبِ الصينِ ؟ أيُعقَل أن يُعبَد ذَكَرُ الرجلِ في اليابان ؟ و أن تُعبَد الجرذانُ في الهند ؟ عندي مجلَّةٌ فرنسيةٌ فيها تحقيقٌ حول عبادةِ الجرذان و كيف يطعمونها أفخر الطعامِ و بنوا لها أعظمَ المعابدِ، أيُعقل أن تُعبَد الشهوةُ من دون الله، قال تعالى:
﴿أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا(43)﴾ [الفرقان]
 قد تعبد أباك و يأمرك بمعصيةٍ، و حرصاً على مصالحك معه و على نصيب ميراثك منه، تعبده من دون الله، و قد تعجب شهوتَك، قال تعالى:
﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكاً آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86)﴾ [الصافات]
 هذا الذي تعبده من دون الله هل ينجِّيك ؟ و لما جاء كتابٌ من يزيدِ بن معاويةَ إلى والي البصرةِ و كان عنده الحسنُ البصري و في الكتاب أمرٌ لا يرضِي اللهَ عز وجل، فوقع والي البصرةِ في حيرةٍ شديدةٍ، أيُنفِّذ أمرَ يزيدَ فيُغضِب اللهََ تعالى، أمن لا ينفِّذ أمرَ يزيدَ إرضاءً لله فيغضب يزيدُ، قال الحسنُ البصري: إن اللهَ يمنعُك من يزيدَ و لكنَّ يزيدَ لا يمنعُك من الله، هذا القولُ دستورٌ لكلِّ الناس، فإذا كنتَ مع الله كان اللهُ معك ومنعك من أعدائك، قال تعالى:
﴿أَئِفْكاً آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)﴾ [الصافات]
 أي ضعيف، و معنى ضعيف أي مفتقِرٌ إلى اللهِ، لو افترضنا إنسانًا عنده آلةُ الخياطةِ يدوية، و قال لك: هذه أعظمُ آلة خياطة في العالم، و لو اطَّلع على آلةٍ حديثةٍ إلكترونيةٍ تعمل أربعين كنزة " جاكار" بأربعة ألوان في آنٍ واحدٍ، يرى نفسَه صغيرًا حقيرًا أمامها، فيظهر الإنسانُ لما يرى الأعظمَ، فإذا ما فكَّر الإنسانُ في العظيمِ يرى نفسَه عظيما قال تعالى
﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)﴾ [الصافات]
 متى قال" إني سقيم " حينما نظر نظرة في النجوم، لذلك الإنسانُ إذا عزل نفسَه عن المحيط الخارجي يكبُر وهو صغيرٌ، أما إذا فكر في خلق السماوات و الأرض يصغُر فيصبح كبيرا، أما إن لم تفكِّر فأنت كبير و لكنك في الحقيقة صغيرٌ، قال تعالى:
﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91)﴾ [الصافات]
 هذه الأصنامُ التي تُعبَد من دون الله لا تأكل و لا تشرب و لا تتحرَّك و لا تسمع، قال تعالى:
﴿فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)﴾ [الصافات]
 هناك ناسٌ كثيرون عندهم رغبةٌ في تشويه النصوص، يقول مثلا:
﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4)﴾ [الماعون]
و الله تعالى قال: فويل...ساهون" ما قال فويل للمصلين، و سكت، قال تعالى: و الله..تعملون " يقول:أعمالُنا خلقها اللهُ وليست بأيدينا، ترتيبُ سيِّدك كما يقولون، هذا النظرُ فيه افتراءٌ على الله، قال تعالى:
﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4)الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ(5)﴾ [الماعون]
 قال تعالى:
﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(28)﴾(سورة الأعراف)
 قال تعالى:
﴿فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)﴾[الصافات]
 قال تعالى:
﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)﴾[الصافات]
 أرادوا أن يحرقوه و أضرمت نارٌ عظيمةٌ، و تصف لنا الكتبُ القديمةُ أن هذه النارَ عظيمةٌ و الله سمح لهم أن يوقدوها و كان من الممكِن أن يطفِأها الله تعالى، و سمح لهم ان يُلقوا القبضَ عليه و كان من الممكن أن يتفلَّت منن قبضتهم، و سمح لهذه النارِ أن تشتعلَ و كان من الممكن أن تأتيَ أمطارٌ غزيرةٌ تطفئها، و الله عز وجل أخَّرَ آياتِه لآخِرِ مرحلةٍ، و بعد أن أُلقِيَ في النارِ، قال تعالى:
﴿قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ(69)﴾[لأنبياء]
 لو قال بردًا لمات من البردِ، و لو قال بردا و سلاما و لم يقل على إبراهيم لأُلغِيَ فعلُ النارِ إلى حدِّ الآن، فهذا الذي يقول للنارِ:
﴿قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ(69)﴾[ الأنبياء]
 هذا الذي ينبغي أن تعبده، وهذا الذي يغيِّر خصائصَ الأشياءِ، النارُ تحرقُ، و هي خاصيَّةٌ أساسيةٌ في النارِ، الذي يغيِّر خصائصَ النار هو الذي ينبغي أن تعبدَه، يا إبراهيمُ ألك من الله حاجةٌ ؟ قال: علمُه بحالي يغني عن سؤالي، ينبغي أن تعبدَ من يعلم دونَ أن تقولَ.
 أيها الإخوةُ ؛ قصصُ القرآن الكريم ليستْ مقصودةً لذاتها، و المقصودُ أن تعتبِر، و أن اللهَ في كلِّ دقيقةٍ و ثانيةٍ و في كلِّ عصرٍ ومَصرٍ قادرٌ على أن يُلغِيَ خصائصَ الأشياءِ، ورمٌ خبيثٌ توقَّف وتراجع بلا دواءٍ و لا معالجةٍ، هذا الذي يقدر أن يوقِف مرضا خبيثا ينبغي أن تعبده، الإنسانُ ضعيفٌ وقوَّاه اللهُ، و الإنسانُ فقيرٌ و أغناه اللهُ، و الإنسانُ شقيٌ و أسعده اللهُ، و الإنسانُ بعيدٌ و قرَّبه اللهُ، فالذي يُسعد و يقرِّب و يغني و يقوِّي و يشفي و يحفظ، هو الذي ينبغي أن تعبده، قال تعالى
﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ(75)أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ(76)فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ(77)الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِي(78)وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي(79)وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِي(80)وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ(81)وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾[الشعراء]
 قال تعالى:
﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)﴾ [الصافات]
 إذا كان اللهُ معك فمن عليك ؟ و إذا كان عليك فمن معك ؟ إذا وجدتَ اللهَ فماذا فقدْتَ و إذا فقدْتَ اللهَ فماذا وجدْتَ، قال تعالى:
﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)﴾[الصافات]
أضعفُ دولةٍ في العالَم من حيث السكانُ ؛ ثمانمائة ألف ؛ لو أن أمريكا معها لأصبحتْ أقوى دولةٍ في العالَم، أليس كذلك، مثلٌ مُنتَزَع من الأخبارِ، أنت الآنَ أضعفُ مخلوق إذا كان اللهُ معك فأنت أقوى مخلوقٍ و أفقرُ إنسانٍ إذا كان اللهُ معه فهو أغنى إنسانٍ، و أجهلُ إنسانٍ إذا كان اللهُ معه فهو أعلمُ إنسانٍ، والنبي الكريم علَّم البشَرِيَّة إلى يوم الدِّين قال تعالى:
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)﴾[ العلق]
 والنبي عليه الصلاة والسلام لا يقرأ ولا يكْتب، فلأنّ الله تعالى علَّمَهُ أصبَحَتْ أحاديثُهُ منتشرة في بِقاع الملِك، فإذا الواحِد دخَلَ إلى بيتٍ مِن بيوت الله لِيَطْلُب العِلم، فلْيَقُل إنِّي ذاهِب إلى ربِّي، وإذا غضَّ بصرهُ بالطريق فهذا ذاهِب إلى ربِّه، وإذا ذَكَر الله تعالى فهذا سيَذْهَب إلى ربِّه إذا ذَهَب لِيَزور صَديقًا، فهذا ذاهِبٌ إلى ربِّه، وإذا ذَهَب إلى الحج فهذا ذاهِب إلى ربِّه وإذا عُدْتَ مريضًا كنت في طاعة الله، وقد قال عليه الصلاة والسلام: وجَبَت محبَّتي للمُتحابِّين فيَّ، والمُتَجالِسين فيَّ،..." والله تعالى قال:
﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ(50)﴾[الذاريات]
 ارْكُض إليه بالتَّوبة إليه، وبِعَمَلٍ صالِحٍ، وبالإقبال عليه، وبِبَذْل المال والنَّفس إليه.
وإنَّ بيوتي في الأرض المساجِد، وإنَّ زُوَّارها هم عُمَّارُها، فَطُوبى لِعَبْدٍ تطيَّب في بيْتِهِ ثمَّ زارني، وحُقَّ على المزور أن يُكْرِمَ الزائِرَ.
والحمد لله رب العالمين