بسم الله الرحمن الرحيم
حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ
الآن سنتكلم عن جزء بسيط مطروح للتدبر والتفكر لكي نستطيع أن نتصور جانبي النفس البشرية، الجانب المضيئ والجانب المبهم منها ... [ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ].
حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ
حنفاء لله... أي نميل إلى الله العزيز الحميد.. نميل بكل ما لدينا من ملكات، حب الإستطلاع .. حب الظهور .. حب التملك .. حب الجمال .. حب الكمال .. وحب النوال .. وكل هذه الملكات والقدرات الكبيرة الموجودة بداخلنا سنجد أن مكانها الطبيعي والملائم لها والذي تعشقه النفس سنجده في ملكوت الرحمن ذو الجبروت والملكوت والعزة والكبرياء .. وسنجده في الآيات التالية :
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ
سنجد في الإستقامة حياة ملائكية طاهرة نقية.. وسنجد في أنفسنا شفافية الملائكة.. لأنهم يتنزلون علينا، والنفس بطبيعتها تصبو وتهفو وتعشق كل ما هو جميل وليس في متناول الجميع.
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
الحزن والخوف بعيد عنهم... لا خوف منهم ولا خوف عليهم .. بمعنى لا يخاف الناس منهم بل يحبونهم.. ولا يخاف أحبابهم عليهم لأنهم يرونهم أهل الثقة وأهل الإيمان وأهل التقوى والصلاح.
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا
ودا من العزيز الحميد.. حبا ومودة يجدونها إينما كانوا .. هؤلاء هم من أسعد الناس في الدنيا والآخرة، وهم مخلدون .. حتى ولو لم يكن لهم ولد صالح يدعو لهم .. فإن أعمالهم الصالحة قد خلدها الله لهم لأنه سبحانه جعل لهم ودا... فهنيئا لهم.
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ
ليس لهم سيئات .. مرتاحين البال ... سعداء .. ينشرون الحب والأمل والرجاء في الله بين خلق الله.. يعيشون في سلام مع أنفسهم ومع الناس .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
عندما ننصر الله بأن نعامل الناس كما أمرنا ربنا فإن النصر يصبح حليفنا... وأول نتائجه المؤكدة الثبات .. ثبات العقيدة .. ثبات الفكر .. ثبات الخطوات الهادفة إلى النجاح الدائم المستمر.
أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
هو حي بعد أن كان ميتا، وله نور يمشي به في الناس .. بينهم وكأنه بداخلهم.. لا يستطيع أحد أن يغشه أو يخدعه.. لأنه يرى بنور الله .
الآن سننظر في الجانب الآخر من النفس البشرية .. وهذا جانب الكثير من الناس يعرفه لأنه عاشه يوم بيوم ولحظة بلحظة .. فكلنا بشر. أي كلنا لآدم وآدم من تراب.
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ
لنا أن نتخيل .. أن يخر شخص من السماء .. هذا الإحساس نشعر به عندما نتبع خطوات الشيطان ونتبع شهوات أنفسنا...
نشعر بأننا نسقط في ظلومات من تحتها ظلومات .. أما الظلومات التى فوقها فقد مررنا بها عند سقوطنا...
فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ
والخطير أن أثناء هذا السقوط يتهافت علينا أهل الظلام والساقطين .. يتخطفونا .. كل منهم يعرض علينا مزيدا من الهوى .. ومزيدا من الضلال .. ويعرضونه في صورة مزينة ولكنها مزيفة... فنحن في الظلام نراهم وكأنهم طيور جميلة .. والواعي منا يراهم طيورا متوحشة تتخطف الفريسة .
هذه أهوال عرفها كل من سقط .. لذلك الذي يتوب ويرجع إلى الله فإن نفسه تكون قد تأدبت وتعلمت وأيقنت أن خلاصها وراحتها في رحاب الله الواحد القهار.
أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ
هذا نوع آخر من العذاب النفسي .. واعتقد أنه لأصحاب الذنوب الكبيرة .. والذين هم يصرون على المعصية والضلال ... يخوفهم الله ويشعرهم بأنهم يسقطون .. ولا يرون القاع لأنه عميق ومظلم ومخيف .. وما هذا إلا ليرجعوا إلى الله الرحمن .
ولكن لكي نعرف شيئا عن هذا السقوط الخطير لابد لنا من الرجوع لكتاب الله .. فقد شرح لنا كيف يتم هذا السقوط...
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)
كل مصيبة تصيبنا معناها أننا أنزلقنا في متاهات الحياة، فيصيبنا الله بالبأساء والضراء لنعود إليه مسرعين متضرعين .. ولكن أحيانا تكون النفس قد تشبعت بالرغبات والشهوات بحيث أنها لا ترى إلا برؤية أهل الظلام .. دائما مزينة بزينة جميلة المنظر كئيبة المنزل.
فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)
يستمرون مع الشياطين من الإنس والجن .. يزينون لهم كل ما هو سيئ ... ولكن كثيرا منهم عاد إلى الله .. بعد الكفر آمن بالله .. ثم قص للناس الفارق الكبير الذي لمسه بنفسه وعاشه وعرفه كما عرف الحق والباطل من خلال رحلته من الظلومات إلى النور.
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ
الآن هذه المرحلة النهائية .. لقد مات القلب وتشبعت النفس وتربعت على عرش الشهوات والرغبات وأصبح لها هيلمان وصولجان وسلطان ... لأن الله أعطاهم ما كانوا يتقاتلون عليه .. ففرحوا به، والآن هم ينتظرون مصيرهم المحتوم.
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا
وما سبق يبين لنا المعنى الدقيق لهذه الآية الكريمة ... ويبين لنا في الوقت ذاته ماهية النفس، وطبيعتها وأنها مستعدة لسلوك أياً من الطريقين .. طريق النور والسعادة والهناء .. أو طريق الشقاء والهلاك والظلام.
حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
إِنَّ اللهَ تَجاوَزَ عَنْ أُمَّتي ما حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُها ما لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ.
ومن هنا نعرف أن النفس تحدث صاحبها، فإن أطاعها فقد وقع في المحظور .. وإن خالفها فقد نجى، فعن النفس قال العلماء :
والنفس راغبة إن رّغّبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع
هذه المقولة سمعتها من فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله .
No hay comentarios:
Publicar un comentario