من كتاب رياض الصالحين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
باب الإخلاص وإحضار النية
في جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية
(حديث مرفوع) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ . ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ , أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ , قَالَا : أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ أَخْبَرَهُ , أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ , أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ , فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُولُ :
" إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ , وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى , فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ , فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ , وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا , فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ " .
النية هي التى تحدد وجهتنا في الحياة، يسميها الغرب الهدف، وكما أن هناك نوايا كبيرة وخالصة لوجه الله تعالى فهناك أيضا أهدافا كبيرة سامية وخالصة من كل سوء، فالطالب الذي يدرس ليصبح طبيبا هذا هدف كبير وسامي فلو أخلص هذه النية لله رب العالمين أصبح عملا صالحا يؤجر عليه بإذن الله.
قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، رِضًا بِمَا يَطْلُبُ " .
الإخلاص وإحضار النية
في جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية
هذا معناه الكبير والفعال أن تكون كل حركاتنا بنية مسبقة، وكل أقوالنا منبعثة من فكرة فعالة سامية، وبذلك يجنبنا الله السفف والسخف والزلل والسقوط في براثن الشيطان الرجيم .. فالموت يأتي فجأة ومن مات على شيء بُعث عليه.
وعن الإخلاص يحدثنا المولى عز وجل :
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
[سورة البينة].
وقال الله تبارك وتعالى:
لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ
[سورة الحج 37]
وقال أيضا سبحانه وتعالى:
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)
[آل عمران]
ولدينا في كتاب الله صورة واضحة كل الوضوح من جميع جوانبها وزواياها عن الإخلاص، صورها لنا ربنا تبارك وتعالى لنتعرف على أنفسنا[ تلك النفس التى بين جنبينا ] فنعرف كيف هي وإلى أي شيئ تميل ومتى تُخلص لله ومتى تُعرض عنه، قال الله تبارك وتعالى :
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ
[سورة يونس 22]
مثل واضح وشامل يوضح لنا الحياة الدنيا منذ بداية عمر الإنسان وحتى نهايته، فلن نجد في رحلة حياتنا غير هذه الصورة الواضحة المعالم [ طبعا مع اختلاف الظروف والملابسات والأحداث والأفكار] ولكن المثل ثابت وإن اختلفت الأسباب .. وهيا بنا نستوضح هذا من الآيات ونقربه إلى أنفسنا فربما خشعت واستسلمت لله رب العالمين:
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا
هو سبحانه وتعالى يسيرنا في البر والبحر، فحركة الإنسان في الحياة لا تخرج عن كونها في البر بشتى وسائل المواصلات أو في البحر في الفلك .. إذا ستأخذنا الحياة الدنيا، سنحقق أحلامنا، ستجرفنا تيارات الهوى كما يجرفنا الموج وتيارات الماء، وهنا وجب علينا أن ننتبه لشيء:
جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ
هذه الريح العاصف تمر بكل البشر، وهي أما لترفعهم درجات عند ربهم، أو لتؤدبهم وتردهم إلى خالقهم، أو لتقسمهم نصفين وتقضي عليهم.. والذي يهمنا هنا سنجده في تكملة الآية فتابعوني رحمكم الله : [ لاحظوا كلمة أحيط بهم، فنحن محاطين برعاية الله والحمد والمنة والشكر لله رب العالمين ].
وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ
يحكي لنا فضيلة الدكتور النابلسي جزاه الله خيرا أن مجموعة من الملحدين استقلوا الطائرة في طريقهم لمؤتمر علمي، فجأة تضطرب الطائرة بسبب مرورها بصواعق جوية وعواصف، وعندما أخبرهم قائد الطائرة بذلك الكل رفع يديه إلى السماء يدعو الله.
دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
إذا نحن نريد أن نخلص لله ديننا في جميع مراحل حياتنا وفي كل تحركاتنا، فهذا ما قد أمرنا به ربنا .. ولكي نتذكر علينا بمتابعة الآيات التالية:
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ
[سورة غافر]
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
هذا ما نحتاجه دائما فالدعاء هو العبادة .. وقالوا أنه مخ العبادة .. وأيضا قالوا أنه روح العبادة.. والدعاء جاء في كتاب الله بمعنى الصلاة.
هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۗ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
[ سورة غافر الآية 65 ]
وطالما أننا وصلنا لسورة غافر المملؤة بالدعاء سنعود إلى أولها حيث الملائكة حاملي العرش ومن حوله يدعون للذين آمنوا .. أتمنى على الله أن يشملنا بدعائهم وأن نكون من الذي اتبعوا سبيل رب العالمين:
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
وهذه هي نتيجة الإخلاص لله رب العالمين، ونتيجة أن يكون عملنا وحركاتنا في الحياة الدنيا وكذلك كل أقوالنا كل كلمة نتفوه بها خالصة لوجه الله تبارك وتعالى.
ونختم بآية في منتهى الإبداع والأمل في الله رب العالمين .. سيعرف كل منا مكانته من الله تبارك وتعالى:
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)
[ سورة الأعراف]
سبحانك اللهم وبحمدك .. أشهد أن لا إله إلا أنت .. أستغفرك وأتوب إليك
No hay comentarios:
Publicar un comentario