رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)
ثم يفصل لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيثيات إجابة هذا الدعاء القرآني العظيم:
عَنْ ابْن عبَّاس رضي اللَّه عنهما أيْضاً أَنَّ رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كانَ يقُولُ :
«" اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ ، أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ أَنْ أَضِلَّ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ " »
((متفقٌ عليه)) .
دائما وأبدا يضع لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث في صورة خطوات أو معطيات أو حيثيات ثم بعد ذلك يبين لنا النتيجة، فتابعونا رحمكم الله لتتأكدوا معي من هذا:
· اللَّهُم لَكَ أسْلَمْتُ (( خطوة أولى )).
· وبِكَ آمنْتُ ، (( خطوة ثانية ))
· وعليكَ توَكَّلْتُ، (( خطوة ثالثة ))
· وإلَيكَ أنَبْتُ (( خطوة رابعة أو سبب من الأسباب المتبعة)).
والنتيجة الحتمية هي:
وبِكَ خاصَمْتُ
يعني لو أننا أسلمنا واستسلمنا حقيقة لله سيتحقق لنا الإيمان به سبحانه، وإن تحقق لنا الإيمان فعلا أي بصدق وعزم ونية خالصة فسوف نتوكل عليه، فإذا توكلنا عليه سيجعلنا ذلك بصورة تلقائية منيبين إليه، أي دائما نعود إليه ونرجع في كل أمورنا.. الآن دققوا:
دليل كل ذلك هو:
<< وبِكَ خاصَمْتُ >>
الآن هل نخاصم بالله وفي الله ولله ؟ إن كان ذلك كذلك فقد صحت خطوات الإيمان بإذن الله وبفضله..
الآن وجب على كل منا أن ينظر في خصامه.. مع من يتخاصم ولماذا؟ وسوف نجد ما سوف يجعلنا في دهشة قوية وندم ورغبة في الرجوع إلى الله..
فكل ما يحدث بين البشر هو إما إتباع هوى النفس أو خطوات الشيطان، يتخاصم الأهل والأصدقاء لأتفه الأسباب.. وهذا دليل عدم اتباع الخطوات التى أوضحها لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه ..
إذا فنحن نتخاصم مع أهلنا وأصدقاءنا وجيراننا للأسباب التالية:
· لم نطبق ((اللَّهُم لَكَ أسْلَمْتُ)).
· ولم نطبق ((وبِكَ آمنْتُ)).
· ولم نطبق ((وعليكَ توَكَّلْتُ)).
· ثم لم نطبق ((وإلَيكَ أنَبْتُ)).
· وبالتالي لا نستطيع أن نقول بصدق ((وبِكَ خاصَمْتُ)).. لأن الخصومة المقصودة هنا هي أن نخاصم في الله، أي كل من خالف أمر الله حتى ولو كان ذا قربى.
ثم من رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا أهل هذا العصر والعصور المقبلة يضع لنا الحل الأمثل ويترك لنا بابا كبيرا واسعا لنعود منه إلى الله العزيز الحكيم والغفور الرحيم في ختام دعاءه
((أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ أَنْ أَضِلَّ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ)).
قصة نقلتها لحضراتكم من صفحة لفضيلة الدكتور النابلسي في شرح هذا الحديث:
تروي الكتب: أن رجلاً صالحاً اسمه حاتم الأصم، هذا الرجل أراد أن يحج بيت الله الحرام، ويبدو أنه لا يملك ما يكفي للنفقة على عياله، وتاقت نفسه إلى الحج، فاستأذن أولاده وزوجته فلم يأذنوا له: إلى أين؟ إلى مَن تتركنا؟ إلا أن بنتاً له صالحةً, قالت له:
يا أبتِ اذهب فأنت لست برازق، الله يرزقنا، فيبدو أنهم سكتوا، وكأن كلمتها ألقت على قلبه طمأنينةً, فرحل، وذهب إلى بيت الله الحرام حاجاً، بعد أيامٍ نفد الطعام والشراب، فدخل أولاده وزوجته على هذه البنت الصالحة الطيِّبة ليعنِّفوها: أين الطعام؟ مَن يأتينا بالطعام؟ أنت قلتِ لأبيكِ: اذهب وحج بيت الله الحرام فإنك لست رزَّاقاً، ماذا نفعل؟.
تروي القصة: أن هذه البنت دخلت إلى غرفتها، وتوسلت إلى الله عز وجل أن يرزقها ، فالذي حصل أن أمير المدينة كان في جولة تفقدية، وصل إلى بيت حاتم الأصم, فشعر بعطشٍ شديد، فقال لأحد رجاله: آتوني بكأسٍ من الماء،
طرقوا باب حاتم الأصم, وقالوا: الأمير يطلب كأس ماء، أهل البيت اجتهدوا أن يكون الكأس نظيفاً، والماء بارداً, هذا الأمير شرب حتى ارتوى، وأذاقه الله أطيب طعمٍ لهذا الماء، فلما انتهى من شربه قال: بيت مَن هذا ؟.
قالوا: بيت حاتم الأصم.
قال: هذا الرجل الصالح؟.
قالوا: نعم.
فقال: لنسلم عليه.
قالوا: هو في الحج.
قال: إذاً له علينا حق، معه صرة من ذهب فأعطاهم إياها، ولم يكتفِ بهذا، قال لمَن حوله: من أحبني فليفعل فعلي.
فجأة انهالت الدنانير الذهبية على أهل هذا البيت، واغتنوا لعام تقريباً، دخلوا على هذه البنت الصالحة، فإذا هي تبكي، قالوا لها: ما لكِ تبكين، وقد أغنانا الله عز وجل؟!.
قالت: أبكي لأن إنساناً نظر إلينا فأغنانا، فكيف لو نظر إلينا خالق الأكوان؟!:
﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾
[سورة النمل الآية: 79]
No hay comentarios:
Publicar un comentario