30 jun 2016

بر الآمان في تلبية نداءات الرحمن

النداء السادس:
[سورة البقرة آية رقم 208].
(حديث مرفوع) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْوَاسِطِيُّ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا الْيَمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، حَدَّثَنِي ابْنُ جُودَانَ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ ، قَالَ : أَرَدْتُ وَجْهًا ، فأتيت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ جَالِسًا وَكُنْتُ قَائِمًا ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا تُوصِينِي بِهِ ؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ :
" أُوصِيكَ بِإِطْعَامِ الطَّعَامِ ، وَبِإِفْشَاءِ السَّلامِ ، وَبِلِينِ الْكَلامِ " .

بإطعام الطعام وَبِلِينِ الْكَلامِ
نعيش بإذن الله في سلام

بسم الله الرحمن الرحيم
لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
[ البقرة 177]
ولدينا حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم نتعرف منه على معنى البر:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :
" إِنَّ الصِّدْقَ بِرٌّ ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا ، وَإِنَّ الْكَذِبَ فُجُورٌ ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَذَّابًا "
ونرى أهمية التعامل مع فئات المجتمع في كتاب الله من تكرار ذكرهم في القرآن، فلدينا آيات كثيرة نذكر منها ما يلي:
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا
حتى الصاحب بالجنب والجار وابن السبيل، وهكذا نرى أن كل فئات المجتمع لها علينا حق معاملاتهم بالعدل والإحسان وأن نتقي الله فيهم لندخل في السلم كافة كما أمرنا الله تبارك وتعالى في نداءه.
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
[ سورة النحل آية رقم 90]
الآن سنتطرق إلى موضوع في غاية الأهمية، وهو تقريبا السبب الرئيسي في معظم ما يدب بيننا من مشاكل إلا وهو المال ..
يقول الله تبارك وتعالى:
مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
[البقرة 245]
إذا كل ما لدينا من مال ومواهب لابد أن نجعله في خدمة الناس، خاصة الإقرباء والعشيرة والصديق والصاحب والزميل والجار، وأبسط الأمور أن نحفظهم من الغش والخداع والكذب.

وهنا يدلنا ربنا على خير تجارة .. وعلى أكبر مشروع عرفته البشرية وتهافت عليه أصحاب العقول النيرة والقلوب المؤمنة:
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ
[ سورة فاطر ]
إذا نظرنا إلى موضوع المال والتجارة والربح والخسارة بنظرة إيمانية واقعية سنجد أن خير وسيلة نحفظ بها أنفسنا من السقوط ومن الهلاك هي أن نتاجر مع الله.
فالإنفاق مما رزقنا الله لا يتوقف عند المال .. إنما تمتد جذوره إلى المواهب والعلوم والجاه والسلطان وحتى أصحاب الحرف المهنية والوظائف الحكومية فإنهم في خير وضع للتجارة مع الله إذا ما قدموا ما لديهم من نصائح وخبرة في خدمة الناس.
الإيمان والأخلاق والتقوى لا ينفصل أحدهما عن الآخر
وكل خلل في أحدهم نجد أثره الفعال في حياتنا وفي معاملاتنا مع الناس.
وفي النداء السابع سنجد القاعدة العامة التى ينطلق منها  الإيمان وسمو الأخلاق وتقوى الله .. حيث يأمرنا ربنا في نداءه هذا بما يلي:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ
[ البقرة 254 ]

مع هذا النداء  سيكون لقاءنا القادم بإذن الله فلا تحرمونا متابعتكم لنا رحمكم الله .

26 jun 2016

المرحلة السادسة في تعليمات صيانة الإنسان وكرامته



السِّلْمِ والسلام والإستسلام هم حصن أمانك من نزغ الشيطان
ضع كل فكرة سلبية في سلة المهملات لأنها من الشيطان، ثم اتبع تعليمات صيانة الإنسان في نداءات الرحمن لعباده الكرام.‏
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
[ سورة البقرة ]
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن الآن في المرحلة السادسة من مراحل صيانة الإنسان حسب تعليمات الرحمن الذي خلق الإنسان وعلمه البيان..
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ
وهذا هو ما نفعله الآن في رمضان، خاصة في هذه العشرة الأخيرة منه .. أعاده الله عليكم وعلينا بالخير والنصر والنهضة والعتق من النار..
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ
يشري نفسه تعني يشتري أو يبيع.. ونحن في حياتنا العادية اليومية نرى من يبيع نفسه غاليا أو رخيصا، فالذي يرتشي أو يسرق إنما هو باع نفسه للشيطان..
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ
وهذه نقطة الإنطلاقة الكبيرة التى نحن بصددها الآن، مثلا في لغتنا العامية في الشارع المصري تجد من يقول لك ( لا يا عم أنا حشتري دماغي ) بمعنى سأترك كل أمر يأتيني بشر أو وجع الدماغ.
وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ
إذا عندما نصوم إبتغاء مرضاة الله، وعندما نحبس أنفسنا عن الحرام بكل أنواعه، وعندما نقوم ليل رمضان ونصوم نهاره ستكون النتيجة بإذن الله أننا سنجد أعظم رأفة من الله لأنه سبحانه رءوف بالعباد، سنجد من يعاملنا بمنتهى الرأفة والرحمة والود والوصال ذلك لأن لله جنود السموات والأرض.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً
يأمرنا ربنا تبارك وتعالى أن ندخل في السلم كافة، ويأتي هذا الأمر العظيم من العلي الكبير في المرحلة السادسة من نداءات تكوين الشخصية السوية الإيمانية..( راجع ما سبق من نداءات ).
طبعا من أكبر مظاهر السلم والسلام بين الناس نجدها في رمضان، خاصة على مائدة الإفطار، وعلى كل من يريد أن يشري نفسه إبتغاء مرضات الله أن يحافظ على تلك العادات والتقاليد الرمضانية، مثل صلة الرحم وإطعام الطعام وإفطار الصائمين وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام.
وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
أخطر ما في حياتنا اليومية هي اتباع خطوات الشيطان، ولكن هل يوجد عاقل يتبع خطوات عدوه؟ بالطبع لا ولكن الذي يحدث أن تلك الخطوات تأتينا في سورة وجهات نظر مزيفة وأفكار سلبية خاطئة، مثلا ولله المثل الأعلى، في حوار بسيط بين الناس يقع المتكلم أحيانا في خطأ مقصود أو غير مقصود، وهنا تكون نواة النزاع...
يوسوس الشيطان وتوسوس النفس وتأبى وقد يصل الأمر إلى حد العداوة والقطيعة، وهذه العملية هي أساس كل نزاع تقريبا.. الآن سنعود إلى كتاب الله وتعليماته لكي نتعلم أن لا نقع في شباك القطيعة والضغينة...
( أول أسباب النزاع هي البعد عن الله وتعليماته في نداءاته )
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)
( سورة النور )
يأمر !! قال ربنا تبارك وتعالى أن الشيطان يأمر !!! والله إنه لأمر خطير .. كيف يأمر الشيطان من آمن بالله ورسوله ؟ والإجابة نجدها في الآية .. إنه يأمر من أتبع خطواته .. أي أن كل من يتبع خطوات الشيطان الخفية لأنه يتوارى  ويختبئ في كل فكرة سلبية أو نزعة نفسية خفية مثل الحقد والغل والضغينة، فكل هذه تعتبر مخابئ وبيوت للشيطان والعياذ بالله يتخذها في النفوس المريضة..
وقال الله تبارك وتعالى أيضا في نفس ا لموضوع:
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)
( سورة الزخرف)
هل اتضحت الرؤيا الآن ؟؟ ففي اللحظة التى نتجاهل آيات ربنا، ينقض علينا الشيطان ويحفر لنا حفره الخبيثة.. فإذا وقعنا فيها بدأ يأمر وينهي لكل من دخل الحفرة سواء بقصد أو وقع فيها بغير قصد..
كلمة يعشُ أي يتجاهل أو يتعامى أو يتناسى أو يغفل أو يتغافل عن ذكر الله .. وسوف نشرح هذا بالتفصيل في درس قادم إن شاء الله ...
وستجد أيضا مواضيع ذات صلة على الرابط التالي:
http://kenanaonline.com/ibrahimelmasry
مواضيع ذات صلة على الرابط التالي:

25 jun 2016

الأخلاق السامية التى كتبها الله لنا في الصيام

الأخلاق السامية التى كتبها الله لنا في الصيام
((تقوى الله هي الحكمة من الصيام ))
ولكن لماذا نصوم فهذا
موضوع آخر
((3))
النداء الخامس:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
لا تحبس نفسك في فكرة سلبية لأنها من صنع الشيطان، ولكن عليك بالإفكار الإيجابية التى جعلها الرحمن في نداءاته لعباده الكرام.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
(سورة البقرة آية رقم 153)
بعض خواطري عن الصبر:
·       علاقة الصيام بالصبر الجميل ... يا ترى هل تعرفنا عليها في رمضان ؟
·       علاقة الصيام بالصلاة في رمضان يا ترى هل تذوقناها ؟
سنجد الإجابة على كل ذلك في حديث شيق لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(حديث مرفوع) أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ التُّجِيبِيُّ ، أنبا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ زُبَيْدٍ هُوَ ابْنُ الْحَرْبِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" الصَّبْرُ نِصْفُ الإِيمَانِ ، وَالْيَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ " .
عندما نتحلى بالصبر فقد حققنا نصف الإيمان، وهذا النصف كما هو منطقي سيمحو ويذيب من نفوسنا نصف عوائق الإيمان، وبهذا النصف سيدخل اليقين إلى قلوبنا فيكتمل الإيمان .. عندئذ نكون ممن قال فيهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(حديث مرفوع) حَدَّثَنَا ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عُتْبَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، فَذَكَرَ حَدِيثًا بِهَذَا ، ثُمَّ قَالَ : وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" لا يَبْلُغُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ "
عندما ندرك هذه الحقيقة .. أي عندما نعيشها كأمر واقع .. أي عندما نكون على يقين من أن كل ما أصابنا هو بأمر الله .. ولن يرفعه عنا إلا الله .. عندئذ ستستسلم النفس لأنه أمر واقع، وسنشعر بالرضا لأننا سنكون على يقين فيكتمل الإيمان وتكتمل سعادتنا لأننا بين يدي الرحمن الرحيم.. عندئذ ربما رأينا جمال الصبر بعيون القلب.
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
( سورة النمل الآية رقم 3)
عندما نضع أمام أعيننا ليل نهار هذا اليقين باليوم الآخر، عندما نعرف تمام المعرفة وندرك تمام الإدراك أننا سنقف بين يدي الله يوم القيامة عندئذ سنخاف الله، وسوف تتنازل النفس عن رغباتها كما فعلت في رمضان، فقد تركت الحلال وذاقت جمال الصبر وحلاوة الطاعة، من أجل هذا نرى الناس وقد تزاحموا وتسابقوا لعبادة الله في كل رمضان ... لأنهم ذاقو طعم الهداية وجمال الصبر على طاعة الله.
وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ
[ سورة الرعد ]
من هنا نستشعر بل ونرى بوضوح علاقة الصيام بالصبر الجميل عندما نجد أنفسنا عابدين طائعين وحامدين لله رب العالمين، وعندما نتخيل الملائكة يدخلون علينا من كل باب ويقولون بحب وود ومعزة وكرامة سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ
[سورة الزمر]
هذا جزء من كثير .. وما فيه من صواب فمن الله وهو رزقا حسنا لمن شاء الله من عباده، وما فيه من خطأ فمني واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات.
والحمد لله رب العالمين
كتبتها لكم بكل الحب وبكل أحساسي وبكل مشاعري وبكل ما أعطاني الله ربي من قدرة على التعبير ...
فأنتم خير صاحب رغم أن الوجوه لم تتقابل ولم نرى بعضنا بعضا، ولكننا ألتقينا على مائدة الرحمن الذي خلق الإنسان وعلمه البيان.
أقبلوها مني للذكرى فربما يجمعنا بها الله تبارك وتعالى يوم لا ظل إلا ظله . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وستجدون مزيدا من المواضيع ذات الصلة في الرابط التالي:

تعليمات صيانة الإنسان من عند الرحمن الذي خلقه ثم علمه البيان




16 jun 2016

سلسة الاخلاق عمرو خالد 09 الصبر

وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ

الصبر - لمحات إنسانية -عمرو خالد

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
 

15 jun 2016

أعد برمجة حياتك حسب تعليمات الخالق البارئ المصور


بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)
قال العلماء أن الله تبارك وتعالى ينادي عليك ليأمرك بخير أو ينهاك عن شر، وهذا ما سوف نجده في كل نداء سنتعرض له بالدراسة والتدبر .. وما توفيقي إلا بالله.
نهانا الله تبارك وتعالى عن هذه الكلمة (( كلمة راعنا )) في أول نداء منه سبحانه وتعالى لمن به آمن ..
وهذا في حد ذاته يجعلنا نأخذ الكلمة على أنها عمدة في قاموس الكلمات المحظورة والتى حرمها ربنا على كل من به آمن .. وهي عمدة الكلام الخبيث.
ولدينا بعض الآيات التى توضح لنا أهمية هذا النداء في إعادة برمجة عقولنا من جديد، منها سنكتشف بإذن الله أهمية الكلمة وبالتالي أهمية هذا النداء في حياتنا العامة والخاصة، فتابعوني بتدبر وتأني رحمكم الله:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)
[ سورة إبراهيم ].
الآن عرفنا أن الكلام كله على مختلف أجناسه وأوطانه ولغاته ولهجاته من الجن والإنس ينقسم إلى طيب وخبيث.
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)
نستخلص هنا عدة نقاط في منتهى الروعة والأهمية .. أن الإيمان بالله العلي العظيم والإخلاص له وحده هو مدخلنا الواسع والكبير والمضمون والآمن إلى الثبات في الدنيا والآخرة... ودليل ذلك القول الثابت .. وقد ضرب لنا سيدنا بلال رضي الله عنه المثل في ذلك عندما كانوا يعذبونه بالنار وهو ثابت على كلمة أحد أحد .
وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ
نقطة أخرى أن الظلم معناه الضلال .. والضلال معناه كلمة خبيثة غير ثابتة ونية خبيثة وشخصية مذبذبة ومزعزعة ومهزوزة  بدليل الآية التالية:
وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)
إذا فالمؤمن القوي له شخصية قوية، وهو على الحق ثابت غيز مزعزع، وكلامه طيب ومعقول ويسد أفواه الشياطين، كما سنرى ذلك من الآيات التالية:
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)
[ سورة النساء ]
إذا القول السديد كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ومن ثمارها أن تكون الذرية الضعاف الذين نخاف عليهم في أمن وآمان من العزيز الحميد لأنه هو القاهر فوق عباده وهو الحي القيوم الذي لا يموت والجن والإنس يموتون.
وعن القول السديد لنا موقف رائع في سورة الأحزاب:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)
القول السديد هو كل كلمة صادقة طيبة.. وهذه الكلمة لها من القوة من لدن الرحمن الرحيم ما بها تصلح لنا أعمالنا بإذن الله وبفضله .. وهذا من روائع الإيمان ومن عجائب قدرة الرحمن .. اللهم ارزقنا القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)
[ سورة فاطر ].
الكلمة الطيبة يعمل عليها عقلنا الباطن تلقائيا، عندما نكررها ونصر على عدم الكلام بالخبيث من القول، فيقوم عقلنا الباطن بدعم أفكارنا عند كل موقف من مواقف الحياة بالكلمات الطيبة التى اختزنها سابقا في الذاكرة، ( إقرأ لو شئت كتاب قوة التفكير للدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله ).
ثم لدينا في سورة فصلت دورة تدريبية ربانية إذا ما حققناها وفَّعلناها سنحظى بصحبة الملائكة الكرام يطمئنونا ويبشرونا بجنة عرضها كعرض السماء والأرض بدليل الآية التالية:
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)
الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا .. كلمة صادقة والدليل على صدقها الإستقامة، كان من شأنها ذهاب الحزن وقهر الخوف والسير مرفوع الرأس والهامة محبب من الله وملائكته وجميع خلقه.. اللهم أجعلنا من هؤلاء يا كريم يا حنان يا منان فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)
درجة أخرى من العلو والرقي والسمو، ومكانة يتنافس عليها الجهابذة المتقين، وهي غاية كل عاقل محب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم .. فالقول السديد يجعلنا من الدعاة إلى الله بصدق وربما بصمت فكل أفعال صاحب الكلمة الطيبة والقول الحسن محببة إلى الله وإلى الناس.
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
ميزة أخرى يمن علينا بها ربنا سبحانه وتعالى عندما نستقيم على أمره ورضوانه يجعل من أعداءنا خادمين لنا، ويشرح لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآيات من سورة فصلت شرحا وافيا ومحببا إلى كل نفس، فتابعونا رحمكم الله:
(حديث مرفوع) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ ، سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَعْني ابْنَ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :
" إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا ، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا ، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ " .
إذا علينا أن ندقق جيدا فيما نقول قبل أن نقول.. أما الآن سنستعرض ما جاء في كتاب الله عن القول .. وعن الكلمة .. وعن العمل الصالح:
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ
سورة البقرة.
القول الحسن ميثاق غليظ من الله العلي الكبير.. وهذه تجبرنا أن نبرمج عقولنا من جديد على أن لا نرد الإساءة بمثلها فنكون والمسيئ على حد سواء.. وفي هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(حديث قدسي) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَةً ، قَالَ :
" إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ ، فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ " .
إذا هذه هي الأخلاق التى يجب أن نبرمج عقولنا عليها أثناء رمضان حتى تتأصل فينا وتصبح من أخلاقنا التى تعمل عليها عقولنا بصورة تلقائية..
ولكن هناك سر كبير يساعدنا على أن نفعل ذلك بغير جهد ولا عناء ولا مشقة، بل نفعله بطيب خاطر ويجعلنا نفعله مقبلين عليه بنهم كما نقبل على ما نشتهي من الخير:
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
الإسراع إلى الله بالتوبة والإستغفار من قبل أن تتمكن منا مشاعرنا المضادة وتكون حائلا بيننا وبين كظم الغيظ .. أي يجب أن نكون في حالة توبة واستغفار في جميع أوقات حياتنا وفي حالات الرخاء حتى إذا ما غضبنا استطعنا أن نكظم غيظنا.. إنه تدريب عملي يحتاج لممارسة مع بعض الوقت حتى تتعود عليه نفوسنا فنكون كما أخبرنا ربنا في محكم آياته:
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)
اجتناب كبائر الإثم من معطيات كظم الغيظ والعفو عن الناس، ونتيجة كل ذلك نجده في الآية التالية على هذه من سورة الشورى:
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ
من أجمل صفات هؤلاء أن أمرهم شورى بينهم، تجده يستشير أهله أو أهل علمه أو أهل مهنته أو أهل الذكر، وتجده دائما ينفق من حلمه وصبره وعلمه وقدرته على التسامح، والنتيجة الحتمية لكل ذلك أنهم إذا ما أصابهم البغي هم ينتصرون، لا ينتصر بذاتية فيه ولكن ينتصر بأمر الله لأنه استجاب لله رب العالمين.
وقال الله تبارك وتعالى أيضا في نفس ا لموضوع:‏
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ ‏عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ‏بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ ‏مُشْتَرِكُونَ (39)‏
‏( سورة الزخرف)‏
في اللحظة التى نغفل فيها عن ذكر الله، نجد أفكارا سلبية ومشاعر بغيضة مقيدة بقيد قوي في نفوسنا، والحل هو أن نسرع إلى ذكر الله ونستغفره ونتوب إليه، ولذلك نجد أن الله تبارك وتعالى أمرنا:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا
[ سورة الأحزاب ]
وفي النداء الثاني سنجد إن شاء الله أن الذكر هو مفتاح من مفاتيح الصبر الجميل، جميل في صوره كلها وجميل في مذاقه لأن الصبر له نفس طعم الإيمان بالله العلي العظيم فانتظرونا إن شاء الله غدا .
خلاصة مستفادة:
  • يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا
  • وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ

ذكر الله كثيرا هو حبل النجاة الذي ينقذنا به ربنا من الظلومات إلى النور، وعدم ذكر الله يجلب لنا ضنكا وحزنا وكآبة ويجعلنا لعبة في أيد شياطين الجن والإنس.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته