عن التقوى
يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا
عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ
خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. الأعراف
ساق الله سبحانه وتعالى محاضرة شيقة جدا عن التقوى لأحد الشيوخ الأفاضل... وبما أن تقوى
الله هي السبيل الوحيد لعبادته سبحانه على مراده، فلم أجد ابدع من هذا الكلام عن
التقوى والذي حرص الشيخ على أن يصاحب كلامه الدليل من كتاب الله العلي العظيم...
فهيا بنا نعيش هذه التجربة البديعة ندرب فيها انفسنا على تقوى الله ونغذي فيها عقولنا
بكلمات التقوى التى جاءت في كتاب الله...{ لقد نقلتها لحضراتكم كما سمعتها بغير
تعديل ولا تبديل}.
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول
الله ومن ولاه، الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه،كما ينبغي لجلال وجه وعظيم
سلطانه، أحمدك ربي حمدا يوافي نعمك ،ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
ونشهد أن محمدا عبده ورسوله ...
أيها الأخوة والأخوات يقول مولانا جل وعلا ..إن
تتقوا الله يجعل لكم فرقانا، إذا تمكن الإيمان من القلب و رسخت جذوره في أعماق
النفس، أثمر حالة من الحالات، التى تفجر الطاقات الكامنة ، والقوى التى وهبها الله
للإنسان،فينبعث إلى الخير إنبعاث المحب، وينصرف عن الشر انصراف الكاره،فيكون شأنه
كما وصفه الله سبحانه
{ وَلَكِنَّ
اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ
إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ
(7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)} الحجرات
وهذه
الحالة تسمى بالتقوى، والتقوى تتضمن أصول الإسلام وقواعد الدين يقول الله سبحانه :
{ الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ
(2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ
وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ
عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}البقرة
والتقوى
من أعمال البر، يقول الله :
{ لَيْسَ
الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ
الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ
الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا
وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ
الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }
البقرة
ويقول سبحانه وتعالى:
{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ
لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي
السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً
أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ
يَعْلَمُونَ (135)}آل عمران
ويقول جل وعلا:{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا
آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا
قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)}
الذاريات.
والعدل من التقوى، يقول الله سبحانه وتعالى :{ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } والعفو عن الناس من التقوى، يقول جلا وعلا { وَأَنْ
تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } والوفاء بالعهد من التقوى، يقول
سبحانه وتعالى:
{ بَلَى
مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) } آل عمران
وهكذا
نجد التقوى في كتاب الله تتناول العقائد والعبادات، والآداب وسائر الأعمال
الصالحة، وإنه لا يتصف بها إلا من امتحن الله قلوبهم للتقوى، وأعدهم للقيام
بمواريث النبوة وأداء الرسالة وهيئهم للعبودية الحقة، والجندية التى لا تخاف في
الله لومة لائم، وهذه المنزلة لا يصل إليها إلا من راض نفسه بترك الشهوات
والشبهات، وجاهدها في ذات الله حتى تذوق حلاوة الإيمان، وطعم اليقين،يقول الرسول
عليه الصلاة والسلام :{ لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به
حذرا مما به بأس }.
أيها الأخوة والأخوات ولما كانت التقوى جماع كل
بر ومصدر كل خير وأصل كل صلاح للأفراد والجماعات كانت خير ما يتزود به الإنسان
يقول الله سبحانه { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ
التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ }.
وكانت أحسن مظهر يظهر به المرء، يقول الله سبحانه
:{ ولباس التقوى ذلك خير } وكان صاحبها أقرب إلى الله منزلة
وأعلا شأنا..
يقول
الله سبحانه تعالى:{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم }،وكانت هي الوصف الذي اختاره الله
لخواص عباده وكانوا أحق لأن يبسط عليهم من بركاته وخيراته، يقول جل وعلا :{ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوالفتحنا عليم بركات من السماء
والأرض،} والأتقياء هم الذين يفيض
الله عليهم من نوره فيدركون به الحق ويبصرون الصواب ويميزون بين ما يجب فعله
من الخير وما يجب تركه من الشر، يقول الله
جل وعلا :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ
يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) } ا|لأنفال
ومن ثم فليس للشيطان على قلوبهم من سبيل، فلا
يصابون بحيرة ، ولا يتعرضون للشكوك والريب، وإذا أصابهم منها شيئ فسرعان ما تبددها
أضواء الحق واليقين، يقول الله سبحانه :
{ إِنَّ
الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا
فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) } الأعراف
وهم
أولياء الله وأحباؤه، يكلأهم برعايته ويحييهم في عافيته،ويحفظهم من السوء،ويجنبهم
أحزان الماضي وآلام المستقبل،يقول الله سبحانه وتعالى:
{ أَلَا
إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) } يونس
وهم
دائما موضع نظر الله سبحانه وتعالى:
{
إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون }وقال سبحانه : { ومن يتقي الله يجعل له
مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} { ومن يتقي الله يجعل له من أمره يسرا}.
أيها الإخوة
والأخوات، وتقوى الله لا تتم إلا بأمرين :
أولا : فقه في دين الله ومعرفة ما فيه من سمو
وحكمة.
وثانيا: قوة الإرادة ومدار العزيمة لحمل النفس
على الإضطلاع بالتبعات والتكاليف، فبالمعرفة من جانب، والإرادة القوية من جانب آخر
يستطيع المرء أن يبصر الطريق ويسير على
الجالة دون تعسر أو إنحراف، وقد أشار القرآن إلى هذين الأمرين في معرض
الثناء على بعض الأنبياء فقال عز وجل :{ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي
الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) } سورة ص، فأولي الأيدي أصحاب القوة، وهم كذلك أصحاب فقه في الدين وبصر
به...
نسأل الله تبارك وتعالى أن نكون من الأتقياء، وأن
نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله ... والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته ...
No hay comentarios:
Publicar un comentario