11 رمضان
الصبر والرضا قرينان إن غاب أحدهما غاب الآخر
﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ غافر
﴿فَوَقَاهُ
اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا﴾ غافر
في كثير من الأحيان يمكر
بنا الناس، وقد وصل بنا الحال أن مكروا ببلاد كاملة، فأشاعوا فيها الفتن، وهنا
يدلنا المولى عز وجل عن موقف أنبياء الله الذين أرسلهم ليدلونا على طريق الهدى
والنور..
وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ
لن يدع الناس المكر
بالمسلمين، وبالناجحين، وبالذين عرفوا طريق الحق واتبعوه، وبالذين حققوا نجاحا
باهرا في حياتهم، لن يتركهم الناس بل سيمكرون بهم .. لأنهم يحقدون عليهم، لا
يستطيعون أن يصلوا إلى ما وصل إليه غيرهم...فيمكرون بهم .. وهنا يدلنا ربنا على ما
يجب علينا فعله عندما نقع في مثل هذا المكر من الناس، أن تفوض أمرك لله، مؤمنا به
ومعتصما بعزته وجلاله لأنه سبحانه بعباده بصير لطيف خبير.
فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ
مَا مَكَرُوا
حرف الفاء يدل على
السرعة، ففي الحال سيقيك ربك سيئات ما مكروا، ومع ذلك أريد أن أذكر نفسي وأذكركم
إننا لن نصل إلى هذا الموقف إلا بالصبر على كل ما يصيبنا، بالصبر والصلاة ..
فإنهما حصن المسلم الحصين الذي يمنعه من كل ما يسوءه ومن كل ما ينغص عليه حياته،
فيتفرغ المؤمن لعبادة الله والقيام بمهمته الإيمانية في الحياة والتى خلقه الله
تبارك وتعالى من أجلها...
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى
وَأَسُدَّ فَقْرَكَ وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ
فَقْرَكَ))
[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
قد يفهم بعض الناس هذا
الحديث فهما خاطئا بمعنى أن يعتقد أن العبادة المطلوبة هي أن يعكف على عبادة الله
في صومعة أو ما شابه ذلك.. أبدا أبدا ، فإنما المقصود من هذه العبادة والتفرغ لها هو أن نقوم بما كلفنا الله به من
أعمال دنيوية لا تسير الحياة إلا بها.. فالطبيب عبادته الأولى علاج مرضاه والدعاء
لهم، والحارس عبادته الأولى أن يقوم بواجبه على الوجه الأكمل في الحراسة.. وهكذا
نرى أن الله تبارك وتعالى يطلب منا ببساطة شديدة أن نتفرغ لعملنا وأن نجعله خالصا
لوجهه الكريم فيغنيننا من فضله عن العالمين. هذا والله أعلى وأعلم .
((يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:
أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي
فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي
مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ
ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ
أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً )) [ البخاري عن أبي هريرة]
وهنا يربينا المولى عز وجل تربية تربوية عالية جدا ورفيعة
المستوى، فيوجهنا بأن نتوقع النجاح دائما في كل خطوات حياتنا، وأن نتوقع مغفرة
ربنا دائما في كل مرة نخطئ فيها ونتوب إليه سبحانه، وأن نتيقن بان الله معنا دائما
يعيننا ويمدنا بكل ما نحتاج من أمور الحياة، ويبين لنا سبحانه أنه يذكرنا إن
ذكرناه، ويقربنا إليه سبحانه عندما نتقرب إليه بالدعاء وبالنوافل، وأن سعينا في
حياتنا الدنيا سنجد فيه ربنا سبحانه وتعالى أمامنا. هذا والله أعلى وأعلم .
أيها الأخوة الكرام، أخرج الإمام الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله:
((
أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر))
[الترمذي عن أبي هريرة
رضي الله عنه]
واقرؤوا إن شئتم:
﴿
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ سورة السجدة : 17
]
وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام
لا يقطعها، واقرؤوا إن شئتم:
﴿
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ﴾ [ سورة الواقعة: 30
]
عن الدكتور النابلسي في أحد محاضراته الرمضانية.
وهكذا نرى أننا عندما نستخدم الصبر والصلاة معا نحصل على
حالة كبيرة من الرضا، لأن الله سبحانه وتعالى معنا يعيننا ويمدنا بما نحتاجه، وإن
انحرفنا فإنه سبحانه يردنا بلطف إلى الطريق السوي، وما المصائب الشديدة إلا نتيجة
اهمالنا للمصائب الصغيرة التى سبقتها ولم نرتجع، مثلا يسقط الطالب في امتحان نصف
السنة، ثم يستمر في لعبه حتى نهاية العام فيواجه سقوطه مع أعادة السنة، وذلك لأنه
لم ينتبه عند أول المصيبة.
((الكيس من دان نفسه وعمل لما
بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ))
[أخرجه
الحاكم عن شداد بن أوس]
((أن لله ملائكة سيارة فضلا
يبتغون مجالس الذكر))
[
أحمد عن أبي هريرة]
((ما
جلس قوم مجلسا يذكرون الله تعالى إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله
فيمن عنده)) [مُسلِمٌ عن أبي هريرة]
نحن نعرف أهمية الدعاء، فأستحلفكم بالله أن تدعوا الله
وتسألوه كل ما تحتاجونه، من مال وبنين وأمن وآمان وكل ما تحتاجونه .. ووسيلتنا في
ذلك الإستغفار والدعاء..
وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ {البقرة}
وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا
إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى
قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) هود
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ
غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ
جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا
تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) نوح.
فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا
تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا
وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)
المزمل.
أكثروا من الدعاء في رمضان وخاصة في الثلث الأخير من
الليل، بل وفي كل لحظات حياتكم فإن الدعاء هو غذاء الروح ففيه المحبة والمودة
والرحمة والسكينة، خاصة في أيام رمضان شهر الهدى والفرقان أعاده الله علينا وعليكم
بالخير والمغفرة والرحمة واليمن والبركات والنصر المؤزر بإذن الله لكل المسلمين .
No hay comentarios:
Publicar un comentario