14 nov 2016

حرر عقلك وطهر قلبك ثم خذ العفو من ربك

قال الله تبارك وتعالى:
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ
[سورة الأعراف]
الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نقوم بعملية تفريغ لمشاعرنا السلبية لكي نستطيع أن نأخذ العفو، لأننا لن نستطيع أن نعفو عن الناس وصدورنا مشحونة بمشاعر ضدهم،  لذلك المولى عز وجل لم يقل أعفو عن الناس ولكنه قال خذ العفو ..
وهذا معناه أن هناك عطاء من الله، وهو العفو .. وهو أكبر عطاء .. لأنه يريح النفس ويزيد من العلاقات الطيبة بين الناس ..
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
فإذا قمنا بتفريغ ما بأنفسنا من مشاعر سلبية فسوف يكون لدينا حتما متسعا للعفو الذي يحل محل كل تلك المشاعر التى استطعنا أن نتركها تذهب إلى حيث لا رجعة، تماما كالذي يفرغ أنبوبة الغاز من الغاز فيحل محله الهواء.. أو كالذي يملأ كأسه بالماء فيخرج منه الهواء.. حينئذ نستطيع أن نأمر بالعرف، لأننا استطعنا أن نفرغ صدورنا وعقولنا وقلوبنا من كل ما صدره لنا الشيطان.
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)
وهذه هي المرحلة الثالثة .. فبعد أن طهرنا مشاعرنا من الضغائن واستطعنا أن نأخذ عطاء ربنا المتمثل في العفو .. الآن أصبحنا جاهزين لأن نأمر بالعرف ومن يعترض ولا يقبل الإمتثال لأمر الله فلنعرض عنه ونتركه لحال سبيله وندعو الله أن يقينا شره.. ثم نواصل رحلتنا مع الآية الكريمة:
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)
طبعا هنا في هذه المرحلة لن يتركنا الشيطان، ولن يدعنا نواصل رحلتنا في طاعة الله ولن يتركنا نأخذ العفو ولن يتركنا في سلام وهو يرانا نقذف بكل ما أصابنا به من كراهية وضغينة وأمر بالفحشاء والمنكر، لن يدعنا نحرر أنفسنا من سموم الوساوس وجذور العداوة والبغضاء، سيحاول بكل استطاعته أن ينزغ بيننا ويدس الدسائس وسيعمل على نشر العدواة والكراهية بيننا، لذلك أعطانا الله مع العفو فعالية الإستعاذة به من الشيطان الرجيم.. وأكد ذلك بقوله أنه سبحانه وتعالى إنه سميع عليم.. يسمعنا ويعلم ما نُعلن وما نُخفي.
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)
[ سورة الأعراف]
الآن لدينا الطريقة الفعالة والمثالية التى تجعل الشيطان صغير وحقير ولا يستطيع شيئا البتة ضدنا، ذلك أن تقوى الله درع واقي يتحطم عليه كل سوء وكل شر وكل مكر وكل كيد.. لذلك فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول :
(حديث مرفوع) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ نُمَيْرٍ ، قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا ، وقَالَ لآخَرَانِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، قَالَ : لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ، كَانَ يَقُولُ :
" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ ، وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا " .
وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ۖ

10 nov 2016

الكل يحاول غزو عقولنا فلندافع عنه بشدة لأنه هو رأس مالنا الحقيقي


أَفَلَا تَعْقِلُونَ

عقلك هو خادمك الأمين أعطاه الله أعلى مقام
فلا تجعل لأحد عليه سلطان فيقع في الظلام

هذه الكلمة جاءت في كتاب الله تبارك وتعالى 13 مرة .. أي نعم 13 مرة يسأل المولى عز وجل الناس سؤال توبيخ وتأنيب وفي الوقت نفسه تذكرة لمن يخشى إذاَّ فلنرى مكانة العقل في حياتنا على لسان على ابن أبي طالب رضي الله عنه :
- عن عليٍّ قال أشدُّ خلقِ ربِّك عشرةٌ الجبالُ والحديدُ ينحِتُ الجبالَ والنَّارُ تأكُلُ الحديدَ والماءُ يُطفِئُ النَّارَ والسَّحابُ المُسخَّرُ بينَ السَّماءَِ والأرضِ يحمِلُ الماءَ والرِّيحُ ينقُلُ السَّحابُ والإنسانُ يتَّقي الرِّيحَ بيدِه ويذهَبُ لحاجتِه والسُّكرُ يغلِبُ الإنسانَ والنُّومُ يغلِبُ السُّكرُ والهمُّ يمنَعُ النَّومَ فأشدُّ خلقِ ربِّك الهمُّ
الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد، خلاصة حكم المحدث : رجاله ثقات‏. ‏
قال أشدُّ خلقِ ربِّك عشرةٌ:
1.   الجبالُ.
2.   والحديدُ ينحِتُ الجبالَ.
3.   والنَّارُ تأكُلُ الحديدَ.
4.   والماءُ يُطفِئُ النَّارَ.
5.   والسَّحابُ المُسخَّرُ بينَ السَّماءَ والأرضِ يحمِلُ الماءَ.
6.   والرِّيحُ ينقُلُ السَّحابُ.
7.   والإنسانُ يتَّقي الرِّيحَ بيدِه ويذهَبُ لحاجتِه.
8.   والسُّكرُ يغلِبُ الإنسانَ.
9.   والنُّومُ يغلِبُ السُّكر.
10.                    والهمُّ يمنَعُ النَّومَ فأشدُّ خلقِ ربِّك الهمُّ
إذا السكر يغلب الإنسان فيجعله يهوي إلى الأرض .. إلى حيث تعيش المخلوقات الأدنى منه .. فإن الجبال قد تناطح السحاب .. فإذا ما سكر الإنسان هبط إلى ما لا يليق به كإنسان...
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ
 من الواضح أن الشرك بالله فيه خطر عظيم لأنه يخر بنا من فوق قمم الإيمان إلى مكان سحيق والعياذ بالله .. وعندما نندفع وراء شيئ ما وننساق إليه بغير الضوابط التى جعلها الله تبارك وتعالى فسوف نسقط ونقع ونصبح فريسة سهلة ..
وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ
هذا هو ما يحدث عندما نهبط وتهوى بنا الريح، نجد أنفسنا وجها لوجه مع الرغبات والشهوات والعربدة والفسوق.. لأن الهم يأكل قوتنا ويقتل إرادتنا ويضعف الإيمان فينا أو يموت ويجعلنا نعيش في دائرة مغلقة مظلمة بحيث لا نرى إلا ما أهمنا وأغمنا.
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ
بمجرد أن يستخدم الإنسان عقله سيرى الحق حقا .. عندئذ يستطيع أن يواجه الدنيا بما لديه من معرفة ورؤية واضحة للحق.. ويُصبح جاهزا ومستعدا للرقي والصعود إلى أعلى القمم.. ولكن هناك خطر ينتظره دائما :
يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
كلما ارتقينا وصعدنا إلى أعلى حيث النور والصفاء والنقاء سنجد شياطين الإنس والجن يستموتون ليخرجونا إلى حيث سقطوا هم وأمثالهم وأعوانهم، ويستخدمون من أجل ذلك كل وسائل الإغراء والتزييف والتزيين والكذب البراق والخداع المتواري كما تتوارى العقارب والثعابين.. ولكن هناك دائما طوق النجاة وحبل الله المتين:
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
في كل مرة نسقط فيها في ظلومات البر والبحر علينا أن نسارع بالتوبة والإستغفار فيخرنا ربنا ويعود بنا مرة أخرى إلى النور .. ولكن ما هي أفضل طريقة متاحة لنظل دائما في النور؟؟
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا
إذا بذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنظل دائما في النور بإذن الله .. ولكن ما هو موقفنا يوم القيامة؟
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
هذه آخر مرة ينادي فيها ربنا على من به آمن .. هذه آخر مرة في كتاب الله تأتي كلمة يا أيها الذين آمنوا.
جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .. وأن يختم بالباقيات الصالحات أعمالنا .. وأن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين.. وصل اللهم وسلم وبارك على أشرف الخلق كلهم أجمعين والحمد لله رب العالمين.



لا ترمو بذور العنب بعد اليوم لأن فوائدها العظيمة سوف تصدمكم !