إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) فاطر.

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين المبعوث بالحق هدى ورحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم،أضع بين أيديكم آخر دروس الدورة الأولي في خلق اللسان، راجيا الله عزو جل أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة...
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا
كثير منا يبذل قصارى جهده من أجل أن ينال العزة من أي طريق، فيبذل في سبيل ذلك عمره، وأغلى لحظات حياته، قد يمضى الساعات الطوال في تحضير الكلمات التى يعتقد أن بها سينال غرضه، وهذا الغرض في غالب الظن أنه عند إنسان مثله..
الله تبارك وتعالى يريد لمن به آمن أن يحفظ ماء وجهه، وأن يرى وجهته بغير تشويش وتزين من شياطين الإنس والجن، فيقول للذي يتملق عند رئيسه، وللذي يريد أن يأكل رأس حبيبه أو صديقه أو صاحبه بما ليس عنده، يقول الله لكل هؤلاء إن كنت تريد العزة فإن العزة لله جميعا.
وهنا أنقل لكم مقولة لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه:
إنما ننتصر على أعداءنا بطاعتنا لله ومعصيتهم له، فإن تساوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا.
لقد حدد لنا أقصى ما يحلم به المسلم وهو النصر، أن ينتصر على عدوه أوعلى نفسه، أو على شيطانه، أو على شهواته، أو على من يؤذيه.. إنما كل ذلك لا يكون إلا بطاعتنا لله العلي العظيم ولذلك خلقنا وأرسل رسله عليهم الصلاة والسلام ليدلونا على طاعة الله التى فيها نجاتنا.
إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ
الكلمة الطيبة هي حبل من نور بينك وبين ربك، وهي وصل ووصال، تصعد إلى العلي العظيم مباشرة، سبحانك ربي ما أعظمك، إنه سبحانه يريد لعبده المؤمن التقي أن يكون على أعلى مستوى في جميع المجالات، عندما يتكلم وعندما يدرس وعندما يتعلم ويعلم، وعندما يبيع ويشتري، في جميع معاملاته وفي كل حالاته، وفي كل كلمة ينطق بها إن كانت طيبة فإنها تصعد إلى ربه فيرزقه الله بها الحكمة والتوفيق والهداية والتقوى ويكون بين الناس شامة ومثل يحتذى.
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ
الكلمة الطيبة هو طريقك الممهد للعمل الصالح، هذه هي عادتنا مع كتاب الله، يعطيك المعطيات، ثم البرهان، ثم النتيجة الحتمية والمضمونه منه سبحانه وتعالى..
لذلك كان أول نداء من العلي العظيم لمن به آمنوا كان في خلق اللسان، علمنا كيف نفكر، وكيف نبحث في أعماق الكلمة التى نسمعها والتى نقرأها والتى نتفوه بها، لنعلم مدى نزاهتها عن كل ما يغضب ربنا.فنادي علينا الرحمن الذي هو بنا رحيم قائلا: {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) }، دائما يبين لنا ربنا موقف الذين كفروا حتى لا نكون مثلهم، حتى لا نتكلم مثلهم، ولانفكر مثلهم، ولا نتصرف مثلهم، لأنهم في عذاب أليم.
وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
مكر السيئات، من أسوأ ما يدور في نفس الإنسان، به يهبط إلى اسفل حيث الظلومات والمتاهات وما يصنع شياطين الإنس والجن من ضلال ونفاق وكذب وغش وخداع وكل الرذائل. لذلك يقول لك ربك لا تبتأس فهم في عذاب شديد.
وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) فاطر
مكرهم سيحيق بهم، فلا تخاف ولا تبتأس إن كنت مع الله ولا تنطق إلا بما هو طيب من الكلام، ولا تعمل إلا صالح الأعمال، فقد حدد المولى تبارك وتعالى كل الكلام على مختلف لغاته ولهجاته وأوطانه حدده وصنفه إلى طيب وخبيث، واسمع معي قول ربك في هذا:
{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) إبراهيم.}.
الكلمة التى تقولها إما طيبة، وإما خبيثة، وهي تحدد مصيرك إما إلى جنة وإما إلى نار، وهي تحدد سعادتك وشقاءك، فعندما نتكلم بطيب الكلام يهدينا ربنا ويصلح لنا أعمالنا التى تحدد مصيرنا وحياتنا.هذا وماكان من صواب فهو من الله تبارك وتعالى، وماكان من خطا فهو منى واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين، وأدعوه مخلصا له الدين أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا هداة مهتدين، سائرين على نهج الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .