بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا واجعله خالصا لوجهك الكريم، واجعل جمعنا هذا جمعا مباركا فيه، تطهر فيه قلوبنا وعقولنا وذاكرتنا، وتزيدنا فيه تقوى وهدى وترزقنا فيه رزقا حسنا، وتهدنا سبيل الرشاد...
يا رب العالمين إن أول ما يجب أن نلبي في حياتنا هو نداءك، وأول وصية يجب أن نعيها ونعمل بها ونوصي من بعدنا هي وصاياك، فاغفر لنا إسرافنا في أمرنا في كل ما مضى من عمرنا بغير أن ننتبه لنداءاتك أو نعمل بوصاياك ووصايا نبيك المصطفى الصادق الوعد الأمين الذي بعثته بالحق هدى ورحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم.



قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ
1. أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا 
2. وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا 
3. وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ
4. وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ 
5. وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ

ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 
(151)
1. وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ 
2. وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا 
3. وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى
4. وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا

ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
(152)


وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 
(153)(سورة الأنعام)



أول ما نلاحظه هنا أن هناك ثلاثة مراحل، مرحلة عقلية بحته وهي مكونة من 5 وصايا، ختمها الله تبارك وتعالى (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
معنى ذلك أنه لدينا الآن أمر واضح من العزيز الحميد في صورة وصية أن نشغل عقولنا منطقيا فيما وصانا به ربنا العزيز الحميد لكي تستقيم لنا الحياة، هل أنتم معي؟
وبناء عليه سنمسك أول حبل من حبال المنطق الرباني الكامن في وصيته الأولى:
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ
كلمة تعالوا من العلو والارتفاع والترفع عن الخطأ والإسفاف في القول والعمل وهي على خلاف كلمة أقبل، فهذه معناها أن تقبل من مكان إلى آخر، أما كلمة تعالوا عما أنتم فيه من أحوال.
وسنضيف شرح لفضيلة الدكتور النابلسي لتبسيط المسألة ونعرف بالضبط ماذا حرم علينا ربنا:


﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾
أيها الإخوة الكرام ، آيات كثيرة سبقت هذه الآية تتحدث عن المحرمات من الطعام والشراب ، وهذه القائمة الثانية من المحرمات ، والتي تتحدث عن محرمات الاعتقاد والسلوك ، الطعام والشراب قوام حياة الجسد ، من الطعام ما هو محرم كلحم الخنزير والدم ، ومنه ما هو حلال ، والمحرمات من الاعتقاد والسلوك هذه تعيق قوام الحياة الروحية ، أنت لك حياتان ، حياة الجسد ، وحياة الروح ، أو حياة النفس ، الجسد قوامه الطعام والشراب ، والنفس قوامها أن تعرف الله ، وأن تبتعد عن الشرك به ، فكما أن هناك محرمات تفسد صحتك هناك محرمات تفسد سعادتك .
نفهم من كلام فضيلة الدكتور أننا في مرحلة متقدمة جدا من كتاب الله، ففي نداءات سورة البقرة عرّفنا ربنا فيها كيف نتكلم وماذا نأكل وكيف ننفق وكيف نعيش وكيف نتعامل وكيف نبيع ونشتري وكل ما من شأنه الانضباط في حياتنا اليومية الاعتيادية، وسوف نعود إليها إن شاء الله لاحقا.
1. أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا 
أما الآن فلدينا وصية قوية لو غفلنا عنها أصبح في توحيدنا بالله خلل كبير، وهو خفي لا نراه، إلا بعين المحلل الفاحص المراقب لأحواله ولكلامه ولكل ما يُلم به من أحداث، لأن كل خلل في العقيدة يقابله ابتلاء في حياتنا اليومية الاعتيادية وذلك بدليل الآية التالية:
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
الغاية من الابتلاءات في منتهى الوضوح:
· فالذي لا يخاف من الله أو يخشى أحد الناس كخشية الله يبتليه الله بالخوف من كل شيء حتى يرده إليه فيقول ويلمس ويرى ويعرف أنه لله وأنه إليه سيرجع قهرا. والفطن والكيس هو الذي يرجع إلى ربه في حياته الدنيا عند الابتلاء.
· وبالجوع يبتلينا ربنا ليعالج فينا الخلل الذي أصاب عقيدتنا، والجوع أسبابه كثيرة جدا ومسبباته أيضا كثيرة وغالبا ما تكون عقائدية لأن الجسد مرتبط ارتباطا وثيقا بطريقة تفكيرنا.
· أما عن نقص الأموال والأنفس والثمرات فكلها مرتبطة ارتباط وثيق بالعقيدة، يبتلينا ربنا بكل تلك الابتلاءات أو ببعضها ليردنا إليه بعد أن نصحح مسارنا العقائدي.
وعن الشرك قال الله تبارك وتعالى:

وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
وفي آية أخرى:
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)


اليوم لدينا تمرين جميل جدا، سيصلح لنا كل خلل أو عطب أو تقصير في حياتنا الروحية أو النفسية، لا تتهاونوا فيه لأنه هو مدخلنا الحقيقي لإذابة الشرك في قلوبنا وعقولنا كما يذوب الملح في الماء قال الله تبارك وتعالى:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
أجعل بداية كل أعمالك تكون بسم الله الرحمن الرحيم، عندما تستيقظ، وعندما تتوضأ وعندما تأكل وعندما تخرج من بيتك وعندما تعود إليه، (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)). 
أولي الألباب أي أصحاب العقول النيرة.
· ضع نفسك بالكامل نفسيا ومعنويا وبكل كيانك في موقف الحمد لله رب العالمين، صحح به كل ما اختزنته في ذاكرتك من الماضي، استرجع ذكرياتك، أعد شريط حياتك بعد ركعتين خالصتين لله رب العالمين، ثم طهر مشاعرك ومخاوفك وكل ما يسوئك بأنك واقف بين يدي الرحمن الرحيم.
· علينا أن ندرك تماما أن نجاتنا تكمن في موقف الحمد لله رب العالمين لأنه بين اسمي الرحمن الرحيم في الأول والآخر.
· فإذا طالبتك نفسك بالخروج فذكرها بالآية الثالثة أنها لن تخرج إلا إلى (ملك يوم الدين).
هذا واستودعكم الله دينكم وأماناتكم وعهدكم ... وما فيه من خطأ فمني واستغفر الله لي ولكم، ومافيه من صواب فمن الله وهو رزقا حسنا لي ولكم.